مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحُكۡمَ وَٱلنُّبُوَّةَ وَرَزَقۡنَٰهُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَفَضَّلۡنَٰهُمۡ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ} (16)

قوله تعالى : { ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين * وآتيناهم بينات من الأمر فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون * ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون * إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين * هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون * أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون } .

اعلم أنه تعالى بين أنه أنعم بنعم كثيرة على بني إسرائيل ، مع أنه حصل بينهم الاختلاف على سبيل البغي والحسد : والمقصود أن يبين أن طريقة قومه كطريقة من تقدم .

واعلم أن النعم على قسمين : نعم الدين ، ونعم الدنيا ، ونعم الدين أفضل من نعم الدنيا ، فلهذا بدأ الله تعالى بذكر نعم الدين ، فقال { ولقد ءاتينا بنى إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة } والأقرب أن كل واحد من هذه الثلاثة يجب أن يكون مغايرا لصاحبه ، أما «الكتاب » فهو التوراة ، وأما «الحكم » ففيه وجوه ، يجوز أن يكون المراد العلم والحكمة ، ويجوز أن يكون المراد العلم بفصل الحكومات ، ويجوز أن يكون المراد معرفة أحكام الله تعالى وهو علم الفقه ، وأما النبوة فمعلومة ، وأما نعم الدنيا فهي المراد من قوله تعالى : { ورزقناهم من الطيبات } وذلك لأنه تعالى وسع عليهم في الدنيا ، فأورثهم أموال قوم فرعون وديارهم ثم أنزل عليهم المن والسلوى ، ولما بين تعالى أنه أعطاهم من نعم الدين ونعم الدنيا نصيبا وافرا ، قال : { وفضلناهم على العالمين } يعني أنهم كانوا أكبر درجة وأرفع منقبة ممن سواهم في وقتهم ، فلهذا المعنى قال المفسرون المراد : وفضلناهم عن عالمي زمانهم .