مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَخَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّ وَلِتُجۡزَىٰ كُلُّ نَفۡسِۭ بِمَا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} (22)

قوله تعالى : { وخلق الله السماوات والأرض بالحق ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون * أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون * وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون * وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات ما كان حجتهم إلا أن قالوا ائتوا بآبائنا إن كنتم صادقين * قل الله يحييكم ثم يميتكم ثم يجمعكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ولكن أكثر الناس لا يعلمون } .

اعلم إنه تعالى لما قدر بأن المؤمن لا يساوي الكافر في درجات السعادات ، أتبعه بالدلالة الظاهرة على صحة هذه الفتوى ، فقال : { وخلق الله السموات والأرض بالحق } ولو لم يوجد البحث لما كان ذلك بالحق بل كان بالباطل ، لأنه تعالى لما خلق الظالم وسلطه على المظلوم الضعيف ، ثم لا ينتقم للمظلوم من الظالم كان ظالما ، ولو كان ظالما لبطل أنه خلق السموات والأرض بالحق وتمام تقرير هذه الدلائل مذكور في أول سورة يونس ، قال القاضي هذه الآية تدل على أن في مقدور الله ما لو حصل لكان ظلما ، وذلك لا يصح إلا على مذهب المجبرة الذين يقولون لو فعل كل شيء أراده لم يكن ظلما ، وعلى قول من يقول إنه لا يوصف بالقدرة على الظلم ، وأجاب الأصحاب عنه بأن المراد فعل ما لو فعله غيره لكان ظلما كما أن المراد من الابتلاء والاختبار فعل ما لو فعله غيره لكان ابتلاء واختبارا ، وقوله تعالى : { ولتجزى } فيه وجهان : ( الأول ) أنه معطوف على قوله { بالحق } فيكون التقدير وخلق الله السموات والأرض لأجل إظهار الحق ولتجزى كل نفس ، ( الثاني ) أن يكون العطف على محذوف ، والتقدير : وخلق الله السموات والأرض بالحق ليدل بهما على قدرته ولتجزى كل نفس والمعنى أن المقصود من خلق هذا العلم إظهار العدل والرحمة ، وذلك لا يتم إلا إذا حصل البعث والقيامة وحصل التفاوت في الدرجات والدركات بين المحقين وبين المبطلين .