مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَوۡلَا نُزِّلَتۡ سُورَةٞۖ فَإِذَآ أُنزِلَتۡ سُورَةٞ مُّحۡكَمَةٞ وَذُكِرَ فِيهَا ٱلۡقِتَالُ رَأَيۡتَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ يَنظُرُونَ إِلَيۡكَ نَظَرَ ٱلۡمَغۡشِيِّ عَلَيۡهِ مِنَ ٱلۡمَوۡتِۖ فَأَوۡلَىٰ لَهُمۡ} (20)

قوله تعالى : { ويقول الذين آمنوا لولا نزلت سورة فإذا أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت فأولى لهم } .

لما بين الله حال المنافق والكافر والمهتدي المؤمن عند استماع الآيات العلمية من التوحيد والحشر وغيرهما بقوله { ومنهم من يستمع إليك } وقوله { والذين اهتدوا زادهم هدى } بين حالهم في الآيات العملية ، فإن المؤمن كان ينتظر ورودها ويطلب تنزيلها وإذا تأخر عنه التكليف كان يقول هلا أمرت بشيء من العبادة خوفا من أن لا يؤهل لها ، والمنافق إذا نزلت السورة أو الآية وفيها تكليف شق عليه ، ليعلم تباين الفريقين في العلم والعمل ، حيث لا يفهم المنافق العلم ولا يريد العمل ، والمؤمن يعلم ويحب العمل وقولهم { لولا نزلت سورة } المراد منه سورة فيها تكليف بمحن المؤمن والمنافق .

ثم إنه تعالى أنزل سورة فيها القتال فإنه أشق تكليف وقوله { سورة محكمة } فيها وجوه : ( أحدها ) سورة لم تنسخ ( ثانيها ) سورة فيها ألفاظ أريدت حقائقها بخلاف قوله { الرحمن على العرش استوى } وقوله { في جنب الله } فإن قوله تعالى : { فضرب الرقاب } أراد القتل وهو أبلغ من قوله { فاقتلوهم } وقوله { واقتلوهم حيث ثقفتموهم } صريح وكذلك غير هذا من آيات القتال وعلى الوجهين فقوله { محكمة } فيها فائدة زائدة من حيث إنهم لا يمكنهم أن يقولوا المراد غير ما يظهر منه ، أو يقولوا هذه آية وقد نسخت فلا نقاتل ، وقوله { رأيت الذين في قلوبهم مرض } أي المنافقين { ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت } لأن عند التكليف بالقتال لا يبقى لنفاقهم فائدة ، فإنهم قبل القتال كانوا يترددون إلى القبيلتين وعند الأمر بالقتال لم يبق لهم إمكان ذلك { فأولى لهم } دعاء كقول القائل فويل لهم ، ويحتمل أن يكون هو خبر لمبتدأ محذوف سبق ذكره وهو الموت كأن الله تعالى لما قال : { نظر المغشي عليه من الموت } قال فالموت أولى لهم ، لأن الحياة التي لا في طاعة الله ورسوله الموت خير منها ، وقال الواحدي يجوز أن يكون المعنى فأولى لهم طاعة أي الطاعة أولى لهم .