مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمۡ يَلۡبِسُوٓاْ إِيمَٰنَهُم بِظُلۡمٍ أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمُ ٱلۡأَمۡنُ وَهُم مُّهۡتَدُونَ} (82)

ثم استأنف الجواب عن السؤال بقوله : { الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم } وهذا من تمام كلام إبراهيم في المحاجة ، والمعنى : أن الذين حصل لهم الأمن المطلق هم الذين يكونون مستجمعين لهذين الوصفين : أولهما : الإيمان وهو كمال القوة النظرية . وثانيهما : { ولم يلبسوا إيمانهم بظلم } وهو كمال القوة العملية .

ثم قال : { أولئك لهم الأمن وهم مهتدون } اعلم أن أصحابنا يتمسكون بهذه الآية من وجه والمعتزلة يتمسكون بها من وجه آخر . أما وجه تمسك أصحابنا فهو أن نقول إنه تعالى شرط في الإيمان الموجب للأمن عدم الظلم ، ولو كان ترك الظلم أحد أجزاء مسمى الإيمان لكان هذا التقييد عبثا ، فثبت أن الفاسق مؤمن وبطل به قول المعتزلة ، وأما وجه تمسك المعتزلة بها فهو أنه تعالى شرط في حصول الأمن حصول الأمرين ، الإيمان وعدم الظلم ، فوجب أن لا يحصل الأمن للفاسق وذلك يوجب حصول الوعيد له .

وأجاب أصحابنا عنه من وجهين :

الوجه الأول : أن قوله : { ولم يلبسوا إيمانهم بظلم } المراد من الظلم الشرك ، لقوله تعالى حكاية عن لقمان إذ قال لابنه : { يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم } فالمراد ههنا الذين آمنوا بالله ولم يثبتوا لله شريكا في المعبودية .

والدليل على أن هذا هو المراد أن هذه القصة من أولها إلى آخرها إنما وردت في نفي الشركاء والأضداد والأنداد ، وليس فيها ذكر الطاعات والعبادات ، فوجب حمل الظلم ههنا على ذلك .

الوجه الثاني : في الجواب : أن وعيد الفاسق من أهل الصلاة يحتمل أن يعذبه الله ، ويحتمل أن يعفو عنه ، وعلى كلا التقديرين : فالأمن زائل والخوف حاصل ، فلم يلزم من عدم الأمن القطع بحصول العذاب ؟ والله أعلم .