ثم قال تعالى : { الذين كذبوا شعيبا كأن لم يغنوا فيها } وفيه بحثان :
البحث الأول : في قوله : { كأن لم يغنوا فيها } قولان : أحدهما : يقال غني القوم في دارهم إذا طال مقامهم فيها . والثاني : المنازل التي كان بها أهلوها واحدها مغني . قال الشاعر :
ولقد غنوا فيها بأنعم عيشة *** في ظل ملك ثابت الأوتاد
أراد أقاموا فيها ، وعلى هذا الوجه كان قوله : { كأن لم يغنوا فيها } كأن لم يقيموا بها ولم ينزلوا فيها .
والقول الثاني : قال الزجاج : كأن لم يغنوا فيها ، كأن لم يعيشوا فيها مستغنين ، يقال غني الرجل يغنى إذا استغنى ، وهو من الغني الذي هو ضد الفقر .
وإذا عرفت هذا فنقول : على التفسيرين شبه الله حال هؤلاء المكذبين بحال من لم يكن قط في تلك الديار . قال الشاعر :
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا *** أنيس ولم يسمر بمكة سامر
بلى نحن كنا أهلها فأبادنا *** صروف الليالي والجدود العواثر
البحث الثاني : قوله : { الذين كذبوا شعيبا كأن لم يغنوا فيها } الذين يدل على أن ذلك العذاب كان مختصا بأولئك المكذبين ، وذلك يدل على أشياء : أحدها : أن ذلك العذاب إنما حدث بتخليق فاعل مختار ، وليس ذلك أثر الكواكب والطبيعة ، وإلا لحصل في أتباع شعيب ، كما حصل في حق الكفار . والثاني : يدل على أن ذلك الفاعل المختار ، عالم بجميع الجزئيات ، حتى يمكنه التمييز بين المطيع والعاصي . وثالثها : يدل على المعجز العظيم في حق شعيب ، لأن العذاب النازل من السماء لما وقع على قوم دون قوم مع كونهم مجتمعين في بلدة واحدة ، كان ذلك من أعظم المعجزات .
ثم قال تعالى : { الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين } وإنما كرر قوله : { الذين كذبوا شعيبا } لتعظيم المذلة لهم وتفظيع ما يستحقون من الجزاء على جهلهم ، والعرب تكرر مثل هذا في التفخيم والتعظيم ، فيقول الرجل لغيره : أخوك الذي ظلمنا ، أخوك الذي أخذ أموالنا ، أخوك الذي هتك أعراضنا ، وأيضا أن القوم لما قالوا : { لئن اتبعتم شعيبا إنكم إذا لخاسرون } بين تعالى أن الذين لم يتبعوه وخالفوه هم الخاسرون .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.