{ يا أيها المدثر } فيه مسائل :
المسألة الأولى : المدثر ، أصله المتدثر ، وهو الذي يتدثر بثيابه لينام ، أو ليستدفئ ، يقال : تدثر بثوبه ، والدثار اسم لما يتدثر به ، ثم أدغمت التاء في الدال لتقارب مخرجهما .
المسألة الثانية : أجمعوا على أن المدثر هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واختلفوا في أنه عليه الصلاة والسلام لم سمي مدثرا ، فمنهم من أجراه على ظاهره وهو أنه كان متدثرا بثوبه ، ومنهم من ترك هذا الظاهر ، أما على الوجه الأول فاختلفوا في أنه لأي سبب تدثر بثوبه على وجوه ( أحدها ) أن هذا من أوائل ما نزل من القرآن ، روى جابر بن عبد الله أنه عليه الصلاة والسلام قال : « كنت على جبل حراء ، فنوديت يا محمد إنك رسول الله ، فنظرت عن يميني ويساري ، فلم أر شيئا ، فنظرت فوقي ، فرأيت الملك قاعدا على عرش بين السماء والأرض ، فخفت ورجعت إلى خديجة ، فقلت : دثروني دثروني ، وصبوا علي ماء باردا ، فنزل جبريل عليه السلام بقوله : { يأيها المدثر } » و( ثانيها ) أن النفر الذين آذوا رسول الله ، وهم أبو جهل وأبو لهب وأبو سفيان والوليد بن المغيرة والنضر بن الحرث وأمية بن خلف والعاص بن وائل اجتمعوا وقالوا : إن وفود العرب يجتمعون في أيام الحج ويسألوننا عن أمر محمد ، فكل واحد منا يجيب بجواب آخر ، فواحد يقول : مجنون ، وآخر يقول : كاهن ، وآخر يقول : شاعر ، فالعرب يستدلون باختلاف الأجوبة على كون هذه الأجوبة باطلة ، فتعالوا نجتمع على تسمية محمد باسم واحد ، فقال واحد : إنه شاعر ، فقال الوليد : سمعت كلام عبيد بن الأبرص ، وكلام أمية بن أبي الصلت ، وكلامه ما يشبه كلامهما ، وقال آخرون كاهن ، قال الوليد : ومن الكاهن ؟ قالوا : الذي يصدق تارة ويكذب أخرى ، قال الوليد : ما كذب محمد قط ، فقال آخر : إنه مجنون فقال الوليد : ومن يكون المجنون ؟ قالوا : مخيف الناس ، فقال الوليد : ما أخيف بمحمد أحد قط ، ثم قام الوليد وانصرف إلى بيته ، فقال الناس : صبأ الوليد بن المغيرة ، فدخل عليه أبو جهل ، وقال مالك : يا أبا عبد شمس ؟ هذه قريش تجمع لك شيئا ، زعموا أنك احتججت وصبأت ، فقال : الوليد مالي إليه حاجة ، ولكني فكرت في محمد . فقلت : إنه ساحر ، لأن الساحر هو الذي يفرق بين الأب وابنه وبين الأخوين ، وبين المرأة وزوجها ، ثم إنهم أجمعوا على تلقيب محمد عليه الصلاة والسلام بهذا اللقب ، ثم إنهم خرجوا فصرخوا بمكة والناس مجتمعون ، فقالوا : إن محمدا لساحر ، فوقعت الضجة في الناس أن محمدا ساحر ، فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك اشتد عليه ، ورجع إلى بيته محزونا فتدثر بثوبه ، فأنزل الله تعالى : { يأيها المدثر قم فأنذر } ( وثالثها ) أنه عليه الصلاة والسلام كان نائما متدثرا بثيابه ، فجاءه جبريل عليه السلام وأيقظه ، وقال : { يأيها المدثر ، قم فأنذر } كأنه قال : له اترك التدثر بالثياب والنوم ، واشتغل بهذا المنصب الذي نصبك الله له .
القول الثاني : أنه ليس المراد من المدثر ، المتدثر بالثياب ، وعلى هذا الاحتمال فيه وجوه ( أحدها ) أن المراد كونه متدثرا بدثار النبوة والرسالة من قولهم : ألبسه الله لباس التقوى وزينه برداء العلم ، ويقال : تلبس فلان بأمر كذا ، فالمراد { يأيها المدثر } بدثار النبوة قم فأنذر و( ثانيها ) أن المتدثر بالثوب يكون كالمختفي فيه ، وأنه عليه الصلاة والسلام في جبل حراء كان كالمختفي من الناس ، فكأنه قيل : يا أيها المتدثر بدثار الخمول والاختفاء ، قم بهذا الأمر واخرج من زاوية الخمول ، واشتغل بإنذار الخلق ، والدعوة إلى معرفة الحق ( وثالثها ) أنه تعالى جعله رحمة للعالمين ، فكأنه قيل له : يا أيها المدثر بأثواب العلم العظيم ، والخلق الكريم ، والرحمة الكاملة قم فأنذر عذاب ربك .
المسألة الثالثة : عن عكرمة أنه قرئ على لفظ اسم المفعول من دثره ، كأنه قيل له : دثرت هذا الأمر وعصيت به ، وقد سبق نظيره في المزمل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.