مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{يَسۡـَٔلُ أَيَّانَ يَوۡمُ ٱلۡقِيَٰمَةِ} (6)

ثم قال تعالى : { يسأل أيان يوم القيامة } أي يسأل سؤال مستنعت مستبعد لقيام الساعة ، في قوله : أيان يوم القيامة ، ونظيره { يقولون متى هذا الوعد } واعلم أن إنكار البعث تارة يتولد من الشبهة وأخرى من الشهوة ، أما من الشبهة فهو الذي حكاه الله تعالى بقوله : { أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه } وتقريره أن الإنسان هو هذا البدن فإذا مات تفرقت أجزاء البدن واختلطت تلك الأجزاء بسائر أجزاء التراب وتفرقت في مشارق الأرض ومغاربها فكان تمييزها بعد ذلك عن غيرها محالا فكان البعث محالا ، واعلم أن هذه الشبهة ساقطة من وجهين ( الأول ) لا نسلم أن الإنسان هو هذا البدن فلم لا يجوز أن يقال : إنه شيء مدبر لهذا البدن فإذا فسد هذا البدن بقي هو حيا كما كان . وحينئذ يكون الله تعالى قادرا على أن يرده إلى أي بدن شاء وأراد ، وعلى هذا القول يسقط السؤال ، وفي الآية إشارة إلى هذا لأنه أقسم بالنفس اللوامة ، ثم قال : أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه وهو تصريح بالفرق بين النفس والبدن ( الثاني ) إن سلمنا أن الإنسان هو هذا البدن فلم قلتم : إنه بعد تفريق أجزائه لا يمكن جمعه مرة أخرى وذلك لأنه تعالى عالم بجميع الجزئيات فيكون عالما بالجزء الذي هو بدن عمرو ، وهو تعالى قادر على كل الممكنات وذلك التركيب من الممكنات وإلا لما وجد أولا ، فيلزم أن يكون قادرا على تركيبها . ومتى ثبت كونه تعالى عالما بجميع الجزئيات قادرا على جميع الممكنات لا يبقى في المسألة إشكال .

وأما القسم الثاني : وهو إنكار من أنكر المعاد بناء على الشهوة فهو الذي حكاه الله تعالى بقوله : { بل يريد الإنسان ليفجر أمامه } ومعناه أن الإنسان الذي يميل طبعه إلى الاسترسال في الشهوات والاستكثار من اللذات لا يكاد يقر بالحشر والنشر وبعث الأموات لئلا تتنغص عليه اللذات الجسمانية فيكون أبدا منكرا لذلك قائلا على سبيل الهزؤ والسخرية أيان يوم القيامة .