اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{يَسۡـَٔلُ أَيَّانَ يَوۡمُ ٱلۡقِيَٰمَةِ} (6)

قوله : { يَسْأَلُ أَيَّانَ } هذه جملة مستأنفة .

وقال أبو البقاء رحمه الله : تفسير ل «يفجر » فيحتمل أن يكون مستأنفاً مفسّراً ، وأن يكون بدلاً من الجملة قبلها ؛ لأن التفسير يكون بالاستئناف وبالبدل إلا أنَّ الثاني منه رفع الفعل ، ولو كان بدلاً لنصب ، وقد يقال : إنه أبدلَ الجملة من الجملة لا خصوصيَّة الفعلِ من الفعل وحده ، وفيه بحث قد تقدم نظيره في «الذاريات » وغيره . والمعنى : يسأل متى يوم القيامة .

فصل فيمن أنكروا البعث

قال ابن الخطيب{[58646]} : اعلم أنَّ إنكار البعث يتولد تارة من الشُّبهة ، وأخرى من الشَّهوة ، فأما تولده من الشبهة فهو ما حكاه الله - عز وجل - بقوله : { أَيَحْسَبُ الإنسان أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ } ، وتقديره : أنَّ الإنسان هو هذا البدن ، فإذا مات وتفرقت أجزاؤه ، واختلطت بأجزاء التراب ، وتفرَّقت بالرِّياح في مشارق الأرض ومغاربها ، فيكون تمييزها بعد ذلك محالاً .

وهذه الشبهة ساقطة من وجهين :

الأول : لا نُسلِّمُ أن الإنسان هو هذا البدن ، بل هو شيء مدبرٌ لهذا البدن ، فإذا فسد هذا البدن بقي هو حيّاً كما كان ، وحينئذ يعيد الله - تبارك وتعالى - أي بدن أراد ، فيسقط السؤال وفي الآية إشارة إلى هذا ، لأنه سبحانه أقسم بالنفس اللوامة ، ثم قال تعالى جل ذكره : { أَيَحْسَبُ الإنسان أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ } ، وهو تصريح بالفرق بين النفس والبدن .

الثاني : سلَّمنا أنَّ الإنسان هو هذا البدن ، لكنه سبحانه عالم بالجزئيات ، فيكونُ عالماً بالجزء الذي هو بدن زيدٍ ، وبالجزء الذي هو بدن عمرو ، وهو - تعالى - قادر على كلِّ الممكنات ، فيلزم أن يكون قادراً على تركيبها ثانياً ، فزال الإشكال وأما إنكار البعث بناءً على الشَّهوةِ فهو قوله تعالى : { بَلْ يُرِيدُ الإنسان لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ } .

ومعناه أن الإنسان الذي يميل طبعه للشَّهوات واللَّذات والفكرةُ في البعث تنغصها عليه فلا جرم ينكره .


[58646]:الفخر الرازي 30/193.