تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{يَسۡـَٔلُ أَيَّانَ يَوۡمُ ٱلۡقِيَٰمَةِ} (6)

الآية 6 : وقوله عز وجل : { يسأل أيان يوم القيامة } سؤال تعنت واستهزاء لما ذكرنا أنه ليس في تعرف وقت كونه[ مزجر ولا مرغب ]{[22767]} . وإنما يقع الزجر والرغبة بتذكير الأحوال التي تكون في ذلك اليوم . فلذلك ذكر الأحوال التي تكون في ذلك اليوم ، ولم يوقفهم على ذلك الوقت متى يكون ؟ إذ ليس في معرفة وقته كثير حكم ، فيجيبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بجواب الحكماء لا بجواب مثلهم .

ثم إن كان المراد به حالة الموت فقوله عز وجل : { فإذا برق البصر } قيل : دهش ، وتحير . ثم اختلف بعد هذا ؛ فمنهم من صرف هذا إلى حالة الموت ، ومنهم من ذكر أن هذه الأحوال تكون يوم القيامة .

وإلى أيّ الحالين صرف التأويل فهو مستقيم ، لأن المنكر البعث إذا جاءه بأس الله تعالى ، ورأى ما حلّ به من الأهوال أيقن بالبعث ، وعلم به .

ثم إن كان المراد به حالة الموت ، فقوله عز وجل : { فإذا برق البصر } { وخسف القمر } { وجمع الشمس والقمر }[ الآيات : 7و8و9 ] .

يخرج على التمثيل ، ليس على التحقيق ، لأن بصره إذا دهش ، وتحير ، صار بحيث لا ينتفع ببصر وجهه ولا ببصر قلبه ، لا يرى ضوء القمر ، فيصير القمر كالمنخسف ، وتصير الشمس والقمر كالمجموعين ، ولا يرى ضوء الشمس ولا نور القمر ، فيصير النهار عليه ليلا والليل نهارا ؛ شغل{[22768]} بما حلّ به من البلايا والأهوال . وهي كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم[ أنه ]{[22769]} قال : ( الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ، والآخرة جنة المؤمن وسجن الكافر )[ مسلم 2956 ] وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من كره لقاء الله كره الله لقاءه ، ومن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه )[ البخاري : 6507و6508 ومسلم 2683 ] .

فصرفوا تأويل هذين الخبرين إلى حالة الموت ؛ وذلك أن الكافر يعاين في ذلك الوقت ما أعد من الأهوال والشدائد فكره مفارقة روح جسده لئلا يقع في تلك الأهوال والشدائد ، وتصير الدنيا له في ذلك الوقت كالجنة[ لا يحب ]{[22770]} مفارقتها .

والمؤمن إذا عاين ما وعد{[22771]} من البشارات وأنواع الكرامات أراد الخروج من الدنيا ليصل إلى ما أعد له ، فتصير الدنيا عليه[ كالسجن ]{[22772]} في ذلك الوقت ، فيكون هذا كله على التمثيل من الوجه الذي ذكرنا .

وإن كان ذلك على يوم القيامة على تحقيق الخسف وجمع الشمس والقمر وقوله تعالى : { يقول الإنسان يومئذ أين المفر }[ الآية : 10 ] فيحتمل أن يكون قوله تعالى : { أي ليس لي موضع فرار عما حلّ بي ، أو يقول : إلى أين المفر ؟ وإلى من ألتجئ لأتخلص من العذاب ، والله أعلم .


[22767]:في الأصل و م: مزجرا ولا مرعبا.
[22768]:في الأصل و م: شغلا.
[22769]:ساقطة من الأصل و م.
[22770]:من م، ساقطة من الأصل.
[22771]:أدرج بعدها في الأصل و م: له.
[22772]:من م، ساقطة من الأصل.