مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{فَإِذَا بَرِقَ ٱلۡبَصَرُ} (7)

ثم إنه تعالى ذكر علامات القيامة فقال : { فإذا برق البصر ، وخسف القمر ، وجمع الشمس والقمر يقول الإنسان يومئذ أين المفر } وفيه مسألتان :

المسألة الأولى : اعلم أنه تعالى ذكر من علامات القيامة في هذا الموضع أمورا ثلاثة ( أولها ) قوله : { فإذا برق البصر } قرئ بكسر الراء وفتحها ، قال الأخفش : المكسورة في كلامهم أكثر والمفتوحة لغة أيضا ، قال الزجاج : برق بصره بكسر الراء يبرق برقا إذا تحير ، والأصل فيه أن يكثر الإنسان من النظر إلى لمعان البرق ، فيؤثر ذلك في ناظره ، ثم يستعمل ذلك في كل حيرة ، وإن لم يكن هناك نظر إلى البرق ، كما قالوا : قمر بصره إذا فسد من النظر إلى القمر ، ثم استعير في الحيرة ، وكذلك بعل الرجل في أمره ، أي تحير ودهش ، وأصله من قولهم : بعلت المرأة إذا فاجأها زوجها ، فنظرت إليه وتحيرت ، وأما برق بفتح الراء ، فهو من البريق ، أي لمع من شدة شخوصه ، وقرأ أبو السمال بلق بمعنى انفتح ، وانفتح يقال : بلق الباب وأبلقته وبلقته فتحته .

المسألة الثانية : اختلفوا في أن هذه الحالة متى تحصل ؟ فقيل : عند الموت ، وقيل : عند البعث وقيل : عند رؤية جهنم ، فمن قال : إن هذا يكون عند الموت ، قال : إن البصر يبرق على معنى يشخص عند معاينة أسباب الموت ، والملائكة كما يوجد ذلك في كل واحد إذا قرب موته ، ومن مال إلى هذا التأويل ، قال : إنهم إنما سألوه عن يوم القيامة ، لكنه تعالى ذكر هذه الحادثة عند الموت والسبب فيه من وجهين : ( الأول ) أن المنكر لما قال : { أيان يوم القيامة } على سبيل الاستهزاء فقيل له : إذا برق البصر وقرب الموت زالت عنه الشكوك ، وتيقن حينئذ أن الذي كان عليه من إنكار البعث والقيامة خطأ ( الثاني ) أنه إذا قرب موته وبرق بصره تيقن أن إنكار البعث لأجل طلب اللذات الدنيوية كان باطلا ، وأما من قال بأن ذلك إنما يكون عند قيام القيامة ، قال : لأن السؤال إنما كان عن يوم القيامة ، فوجب أن يقع الجواب بما يكون من خواصه وآثاره ، قال تعالى : { إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار } .