مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{فَكَذَّبَ وَعَصَىٰ} (21)

قوله تعالى : { فكذب وعصى } وفيه مسائل :

المسألة الأولى : معنى قوله : { فكذب } أنه كذب بدلالة ذلك المعجز على صدقه . واعلم أن القدح في دلالة المعجزة على الصدق إما لاعتقاد أنه يمكن معارضته ، أو لأنه وإن امتنعت معارضته لكنه ليس فعلا لله بل لغيره ، إما فعل جنى أو فعل ملك ، أو إن كان فعلا لله تعالى لكنه ما فعله لغرض التصديق ، أو إن كان فعله لغرض التصديق لكنه لا يلزم صدق المدعي ، فإنه لا يقبح من الله شيء البتة ، فهذه مجامع الطعن في دلالة المعجز على الصدق ، وما بعد الآية يدل على أن فرعون إنما منع من دلالته عن الصدق لاعتقاده أنه يمكن معارضته بدليل قوله : { فحشر فنادى } وهو كقوله : { فأرسل فرعون في المدائن حاشرين } .

المسألة الثانية : في الآية سؤال وهو أن كل أحد يعلم أن كل من كذب الله فقد عصى ، فما الفائدة في قوله : { فكذب وعصى } ؟ والجواب : كذب بالقلب واللسان ، وعصى بأن أظهر التمرد والتجبر .

المسألة الثالثة : هذا الذي وصفه الله تعالى به من التكذيب والمعصية مغاير لما كان حاصلا قبل ذلك ، لأن تكذيبه لموسى عليها لسلام وقد دعاه وأظهر هذه المعجزة . يوفى على ما تقدم من التكذيب ومعصيته بترك القبول منه ، والحال هذه مخالفة لمعصيته من قبل ذلك .