مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{كَأَنَّهُمۡ يَوۡمَ يَرَوۡنَهَا لَمۡ يَلۡبَثُوٓاْ إِلَّا عَشِيَّةً أَوۡ ضُحَىٰهَا} (46)

ثم قال تعالى : { كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها } وتفسير هذه الآية قد مضى ذكره في قوله : { كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار } والمعنى أن ما أنكروه سيرونه حتى كأنهم أبدا فيه وكأنهم لم يلبثوا في الدنيا إلا ساعة من نهار ثم مضت ( فإن قيل ) قوله : { أو ضحاها } معناه ضحى العشية وهذا غير معقول لأنه ليس للعشية ضحى : { قلنا } الجواب عنه من وجوه ( أحدها ) : قال عطاء عن ابن عباس : الهاء والألف صلة للكلام يريد لم يلبثوا إلا عشية أو ضحى ( وثانيها ) : قال الفراء والزجاج : المراد بإضافة الضحى إلى العشية إضافتها إلى يوم العشية كأنه قيل : إلا عشية أو ضحى يومها ، والعرب تقول : آتيك العشية أو غداتها على ما ذكرنا ( وثالثها ) : أن النحويين قالوا يكفي في حسن الإضافة أدنى سبب ، فالضحى المتقدم على عشية يصح أن يقال : إنه ضحى تلك العشية ، وزمان المحنة قد يعبر عنه بالعشية وزمان الراحة قد يعبر عنه بالضحى ، فالذين يحضرون في موقف القيامة يعبرون عن زمان محنتهم بالعشية وعن زمان راحتهم بضحى تلك العشية فيقولون : كأن عمرنا في الدنيا ما كان إلا هاتين الساعتين ، والله سبحانه وتعالى أعلم .

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .