مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{فَأَخَذَهُ ٱللَّهُ نَكَالَ ٱلۡأٓخِرَةِ وَٱلۡأُولَىٰٓ} (25)

{ فأخذه الله نكال الآخرة والأولى } وفيه مسألتان :

المسألة الأولى : ذكروا في نصب نكال وجهين ( الأول ) : قال الزجاج : إنه مصدر مؤكد لأن معنى أخذه الله ، نكل الله به ، نكال الآخرة والأولى . لأن أخذه ونكله متقاربان ، وهو كما يقال : أدعه تركا شديدا لأن أدعه وأتركه سواء ، ونظيره قوله : { إن أخذه أليم شديد } ، ( الثاني ) : قال الفراء : يريد أخذه الله أخذا نكالا للآخرة والأولى ، والنكال بمعنى التنكيل كالسلام بمعنى التسليم .

المسألة الثانية : ذكر المفسرون في هذه الآية وجوها ( أحدها ) : أن الآخرة والأولى صفة لكلمتي فرعون إحداهما قوله : { ما علمت لكم من إله غيري } والأخرى قوله : { أنا ربكم الأعلى } قالوا : وكان بينهما أربعون سنة ، وهذا قول مجاهد والشعبي وسعيد بن جبير ومقاتل ، ورواية عطاء والكلبي عن ابن عباس ، والمقصود التنبيه على أنه ما أخذه بكلمته الأولى في الحال ، بل أمهله أربعين سنة ، فلما ذكر الثانية أخذ بهما ، وهذا تنبيه على أنه تعالى يمهل ولا يهمل ( الثاني ) : وهو قول الحسن وقتادة : { نكال الآخرة والأولى } أي عذبه في الآخرة ، وأغرقه في الدنيا ( الثالث ) : الآخرة هي قوله : { أنا ربكم الأعلى } والأولى هي تكذيبه موسى حين أراه الآية ، قال القفال : وهذا كأنه هو الأظهر ، لأنه تعالى قال : { فأراه الآية الكبرى فكذب وعصى ثم أدبر يسعى فحشر فنادى فقال أنا ربكم الأعلى } فذكر المعصيتين ، ثم قال : { فأخذه الله نكال الآخرة والأولى } فظهر أن المراد أنه عاتبه على هذين الأمرين .

المسألة الثالثة : قال الليث : ( النكال ) اسم لمن جعل نكالا لغيره ، وهو الذي إذا رآه أو بلغه خاف أن يعمل عمله ، وأصل الكلمة من الامتناع ، ومنه النكول عن اليمين ، وقيل للقيد نكل لأنه يمنع ، فالنكال من العقوبة هو أعظم حتى يمتنع من سمع به عن ارتكاب مثل ذلك الذنب الذي وقع التنكيل به ، وهو في العرف يقع على ما يفتضح به صاحبه ويعتبر به غيره ، والله أعلم .