مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَٱلَّيۡلِ إِذَا عَسۡعَسَ} (17)

قوله تعالى : { والليل إذا عسعس } ذكر أهل اللغة أن عسعس من الأضداد ، يقال : عسعس الليل إذا أقبل ، وعسعس إذا أدبر ، وأنشدوا في ورودها بمعنى أدبر قول العجاج :

حتى إذا الصبح لها تنفسا *** وانجاب عنها ليلها وعسعسا

وأنشد أبو عبيدة في معنى أقبل :

مدرجات الليل لما عسعسا *** . . .

ثم منهم من قال : المراد ههنا أقبل الليل ، لأن على هذا التقدير يكون القسم واقعا بإقبال الليل وهو قوله : { إذا عسعس } وبإدباره أيضا وهو قوله : { والصبح إذا تنفس } ومنهم من قال : بل المراد أدبر وقوله : { والصبح إذا تنفس } أي امتد ضوءه وتكامل فقوله : { والليل إذا عسعس } إشارة إلى أول طلوع الصبح ، وهو مثل قوله : { والليل إذا أدبر والصبح إذا أسفر } وقوله : { والصبح إذا تنفس } إشارة إلى تكامل طلوع الصبح فلا يكون فيه تكرار .

وأما قوله تعالى : { والصبح إذا تنفس } أي إذا أسفر كقوله : { والصبح إذا أسفر } ثم في كيفية المجاز قولان :

أحدهما : أنه إذا أقبل الصبح أقبل الصبح بإقباله روح ونسيم ، فجعل ذلك نفسا له على المجاز ، وقيل تنفس الصبح .

والثاني : أنه شبه الليل المظلم بالمكروب المحزون الذي جلس بحيث لا يتحرك ، واجتمع الحزن في قلبه ، فإذا تنفس وجد راحة . فههنا لما طلع الصبح فكأنه تخلص من ذلك الحزن فعبر عنه بالتنفس وهو استعارة لطيفة .