مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{إِذَا ٱلشَّمۡسُ كُوِّرَتۡ} (1)

مقدمة السورة:

سورة التكوير

{ بسم الله الرحمن الرحيم إذا الشمس كورت } اعلم أنه تعالى ذكر اثني عشر شيئا ، وقال : إذا وقعت هذه الأشياء فهنالك { علمت نفس ما أحضرت } ( فالأول ) : قوله تعالى : { إذا الشمس كورت } وفي التكوير وجهان ( أحدهما ) : التلفيف على جهة الاستدارة كتكوير العمامة ، وفي الحديث ( نعوذ بالله من الحور بعد الكور ) أي من التشتت بعد الألفة والطي واللف ، والكور والتكوير واحد ، وسميت كارة القصار كارة لأنه يجمع ثيابه في ثوب واحد ، ثم إن الشيء الذي يلف لا شك أن يصير مختفيا عن الأعين ، فعبر عن إزالة النور عن جرم الشمس وتصييرها غائبة عن الأعين بالتكوير ، فلهذا قال بعضهم : كورت أي طمست ، وقال آخرون : انكسفت ، وقال الحسن : محى ضؤوها وقال المفضل بن سلمة : كورت أي ذهب ضؤوها ، كأنها استترت في كارة ( الوجه الثاني ) : في التكوير يقال : كورت الحائط ودهورته إذا طرحته حتى يسقط ، قال الأصمعي : يقال طعنه فكوره إذا صرعه ، فقوله : { إذا الشمس كورت } أي ألقيت ورميت عن الفلك ، وفيه ( قول ثالث ) : يروى عن عمر أنه لفظة مأخوذة من الفارسية ، فإنه يقال للأعمى كور ، وههنا سؤالان :

السؤال الأول : ارتفاع الشمس على الابتداء أو الفاعلية ( الجواب ) : بل على الفاعلية رافعها فعل مضمر ، يفسره كورت لأن { إذا } ، يطلب الفعل لما فيه من معنى الشرط .

السؤال الثاني : روي أن الحسن جلس بالبصرة إلى أبي سلمة بن عبد الرحمن فحدث عن أبي هريرة أنه عليه السلام ، قال : «إن الشمس والقمر ثوران مكوران في النار يوم القيامة ، فقال الحسن ، وما ذنبهما ؟ قال : إني أحدثك عن رسول الله » فسكت الحسن ، ( والجواب ) : أن سؤال الحسن ساقط ، لأن الشمس والقمر جمادان فإلقاؤهما في النار لا يكون سببا لمضرتهما ، ولعل ذلك يصير سببا لازدياد الحر في جهنم ، فيكون هذا الخبر على خلاف العقل