مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{فَمَا لَهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ} (20)

قوله تعالى : { فما لهم لا يؤمنون } ففيه مسألتان :

المسألة الأولى : الأقرب أن المراد { فما لهم لا يؤمنون } بصحة البعث والقيامة لأنه تعالى حكى عن الكافر : { إنه ظن أن لن يحور } ثم أفتى سبحانه بأنه يحور فلما قال بعد ذلك : { فما لهم لا يؤمنون } دل على أن المراد : { فما لهم لا يؤمنون } بالبعث والقيامة ، ثم اعلم أن قوله : { فما لهم لا يؤمنون } استفهام بمعنى الإنكار ، وهذا إنما يحسن عند ظهور الحجة وزوال الشبهات ، الأمر ههنا كذلك ، وذلك لأنه سبحانه أقسم بتغييرات واقعة في الأفلاك والعناصر ، فإن الشفق حالة مخالفة لما قبلها وهو ضوء النهار ، ولما بعدها وهو ظلمة الليل ، وكذا قوله : { والليل وما وسق } فإنه يدل على حدوث ظلمة بعد نور ، وعلى تغير أحوال الحيوانات من اليقظة إلى النوم ، وكذا قوله : { والقمر إذا اتسق } فأنه يدل على حصول كمال القمر بعد أن كان ناقصا ، إنه تعالى أقسم بهذه الأحوال المتغيرة على تغير أحوال الخلق ، وهذا يدل قطعا على صحة القول بالبعث ، لأن القادر على تغيير الأجرام العلوية والسفلية من حال إلى حال وصفة إلى صفة بحسب المصالح ، لا بد وأن يكون في نفسه قادرا على جميع الممكنات عالما بجميع المعلومات . ومن كان كذلك كان لا محالة قادرا على البعث والقيامة ، فلما كان ما قبل هذه الآية كالدلالة العقلية القاطعة على صحة البعث والقيامة لا جرم قال على سبيل الاستبعاد : { فما لهم لا يؤمنون } .

المسألة الثانية : قال القاضي : لا يجوز أن يقول الحكيم فيمن كان عاجزا عن الإيمان { فما لهم لا يؤمنون } فلما قال ذلك دل على كونهم قادرين ، وهذا يقتضي أن تكون الاستطاعة قبل الفعل ، وأن يكونوا موجدين لأفعالهم ، وأن لا يكون تعالى خالقا للكفر فيهم . فهذه الآية من المحكمات التي لا احتمال فيها البتة ، وجوابه قد مر غير مرة .