تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{فَمَا لَهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ} (20)

الآية 20 : وقوله تعالى : { فما لهم لا يؤمنون } الأصل أن كل من اعتقد مذهبا فإنما يعتقده بحجة تقررت عنده أو شبهة اعترضت له ، ظنها حجة . فأما أن يعتقده حراما فليس يفعله ، فقال الله تعالى في هؤلاء : { فما لهم لا يؤمنون } . أي [ أي ]{[23381]} حجة لهم تمنعهم عن الإيمان بالله تعالى وبرسوله ، وتدعوهم إلى الشرك والتزين به ؟

ثم قد ذكرنا أن ما خرج مخرج الاستفهام من الله تعالى فحقه أن ينظر ما يقتضي ذلك الكلام من الجواب أن لو كان من مستفهم ، فيحمل الأمر عليه ، وحق جواب هذا الكلام أن يقول : لا شيء يمنعه عن ذلك . فقوله : { فما لهم لا يؤمنون } أي لا حجة لهم في ما اختاروا من الشرك ، وإنما يتدينون به تشهيا وتمنيا ، فيكون هذا على النفي في أن لا حجة لهم ، أو كأنه يخاطب رسوله صلى الله عليه وسلم ، فيقول : سلهم لماذا لا يؤمنون ؟ وإذا سألهم لم يجدوا لأنفسهم حجة في الإعراض عن الإيمان ، فيرجع الأمر إلى ابتغاء الحجة أيضا .

ثم المعتزلة احتجت علينا بهذه الآية في تثبيتهم القدرة قبل الفعل ، وزعمت أنه لو لم يكن أعطى قوة الإيمان لم يكن يعاتب على تركه لأنه لا عذر للعبد أعظم من أن يقول ، إن قيل له : لم لا تؤمن{[23382]} ؟ لأني لا أقدر عليه ، ولأن{[23383]} قوله تعالى : { فما لهم لا يؤمنون } حرف تعجيب ؛ ولو كانت القوة ممنوعة قبل الفعل لكان له أن يقول : إنما لم أؤمن لأني منعت عنه ، فيرتفع عنه التعجيب ، فدل أنه أعطي القوة ، فلم يبق له في الخلق عن الإيمان عذر .

والجواب عن الفصل الأول أن الكافر لما{[23384]} لحقته كلفة الإيمان لأنه هو الذي ضيع القوة باختياره ، فعل الكفر ، وإنما ترتفع الكلفة إذا منعت عنه الطاقة .

وأما إذا كان هو الذي ضيعه فالكلفة عليه قائمة ، والأصل أن القدرة في الصحيح السليم تحدث تباعا على قدر حرصه على العبادة وميله إليها . ثم العبد متى اشتغل بفعل صار مضيعا لضده من الأفعال لا{[23385]} إن كان ممنوعا عن الفعل الذي هو ضد هذا .

فلذلك إذا آثر الكفر ، وأتى به ، فقد صار باختياره الكفر مضيعا لقوة الإيمان لا{[23386]} صار ممنوعا عنها ، لذلك لحقته كلفة الإيمان .

وأما ما ذكر من التعجيب فقد وصفنا وجه التعجيب في ذلك ، وهو أنهم لم يلزموا الكفرة بحجة دعتهم إلى القول به ، والمرء إذا تقلد{[23387]} مذهبا تقلده{[23388]} لا عن حجة وبرهان ، فعجّب الخلق باختيارهم الكفر لا عن حجة .

ثم لو كان الأمر على ما ظنت المعتزلة أن الله تعالى قد أعطاهم جميع أسباب الهداية ، ولم يبق في خزانته شيئا ، منعه عنهم ، لكان التعجيب راجعا إليه لا إلى الذين لم يؤمنوا ، فيقول : مالي لا أصل إلى هدايتهم ، ولم يبق عندي شيء ، به هدايتهم ، إلا وقد أعطيتهم ، لا أن يعجب الخلق عن صنيعهم ، فليس الذي اختاروه في القول سوى وصفهم رب العالمين بالعجز ، والعاجز لا يصح أن يكون ربا ، والله الموفق .


[23381]:من م: ساقطة من الأصل.
[23382]:في الأصل وم: يؤمنون فيقول.
[23383]:في الأصل وم: ولأنه.
[23384]:من نسخة الحرم المكي، في الأصل وم.
[23385]:أدرج بعدها في الأصل وم: أن.
[23386]:أدرج بعدها في الأصل وم: أن.
[23387]:في الأصل وم: قلد.
[23388]:في الأصل وم: قلد.