اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَمَا لَهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ} (20)

قوله : { فَمَا لَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } . يعني : أي شيء يمنعهم من الإيمان بعد ما وضَّحت لهم الآيات والدِّلالات ، وهذا استفهام إنكارٍ .

وقيل : تعجب أي : اعجبوا منهم في ترك الإيمان مع هذه الآيات .

وقوله تعالى : { لاَ يُؤْمِنُونَ } حال .

قال ابنُ الخطيب{[59725]} : فما لهم لا يؤمنون بالبعث والقيامة ، وهو استفهام إنكارٍ ، وإنَّما يحسن عند ظهور الحُجَّة ، وذلك أنه - تعالى - أقسم بتغييرات واقعة في الأفلاك والعناصر ، فإن الشفق حالة مخالفة لما قبلها ، وهو ضوء النهار ، ولما بعدها وهو ظلمة الليل ، وكذا قوله : { والليل وَمَا وَسَقَ } فإنه يدل على حدوث ظلمةٍ بعد نورٍ ، وعلى تغييرات أحوال الحيوانات من اليقظة إلى النَّومِ ، وكذا قوله تعالى : { والقمر إِذَا اتسق } فإنه يدل على حصول كمال القمر بعد نقصانه ثم إنه أقسم - تعالى - بهذه الأحوال المتغيرة على تغيير أحوال الخلق ، وهذا يدل قطعاً على صحة القول بالبعث ، لأن القادر على تغيير الأحوال العلوية والسفلية من حال إلى حال بحسب المصالح ، لا بد وأن يكون قادراً ، ومن كان كذلك لا محالة قادر على البعث والقيامة ، فلما كانت هذه الآية كالدلالة العقلية القاطعة بصحة البعث ، لا جرم قال تعالى على سبيل الاستبعاد : { فَمَا لَهُمْ لاَ يُؤْمِنُون } .

فصل في الكلام على الآية

قال القاضي{[59726]} : «لا يجوز أن يقول الحكيم لمن كان عاجزاً عن الإيمان : { فَمَا لَهُمْ لاَ يُؤْمِنُون } ، وهذا يدل على كونهم قادرين ، وهذا يقتضي أن تكون الاستطاعة قبل الفعل ، وأن يكونوا موجدين لأفعالهم ، وأن لا يكون تعالى خالقاً للكفر فيهم فهذه الآية من المحكمات التي لا احتمال فيها ألبتة » . وجوابه تقدم .


[59725]:ينظر: الفخر الرازي 31/101.
[59726]:ينظر: السابق.