وقوله : { فسنيسره للعسرى } يدل على أنه خص الكافر بهذا الخذلان ، وهو أنه جعل المعصية بالنسبة إليه أرجح من الطاعة ، وإذا دلت الآية على حصول الرجحان لزم القوم بالوجوب لأنه لا واسطة بين الفعل والترك ، ومعلوم أن حال الاستواء يمتنع الرجحان ، فحال المرجوحية أولى بالامتناع ، وإذا امتنع أحد الطرفين وجب حصول الطرف الآخر ضرورة أنه لا خروج عن طرفي النقيض .
أجاب القفال رحمه الله عن وجه التمسك بالآية من وجوه ( أحدها ) : أن تسمية أحد الضدين باسم الآخر مجاز مشهور ، قال تعالى : { وجزاء سيئة سيئة مثلها } وقال : { فبشرهم بعذاب أليم } فلما سمى الله فعل الألطاف الداعية إلى الطاعات تيسيرا لليسرى ، سمى ترك هذه الألطاف تيسيرا للعسرى ( وثانيها ) : أن يكون ذلك على جهة إضافة الفعل إلى المسبب له دون الفاعل . كما قيل في الأصنام : { رب إنهن أضللن كثيرا من الناس } ( وثالثها ) : أن يكون ذلك على سبيل الحكم به والإخبار عنه ( والجواب ) : عن الكل أنه عدول عن الظاهر ، وذلك غير جائز ، لاسيما أنا بينا أن الظاهر من جانبنا متأكد بالدليل العقلي القاطع ، ثم إن أصحابنا أكدوا ظاهر هذه الآية بما روى عن علي عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «ما من نفس منفوسة إلا وقد علم الله مكانها من الجنة والنار ، قلنا : أفلا نتكل ؟ قال : لا اعملوا فكل ميسر لما خلق له » أجاب القفال عنه بأن الناس كلهم خلقوا ليعبدوا الله ، كما قال : { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } واعلم أن هذا ضعيف لأنه عليه السلام إنما ذكر هذا جوابا عن سؤالهم ، يعني اعملوا فكل ميسر لما وافق معلوم الله ، وهذا يدل على قولنا : أن ما قدره الله على العبد وعلمه منه فإنه ممتنع التغيير ، والله أعلم .
المسألة الخامسة : في دخول السين في قوله : { فسنيسره } وجوه ( أحدها ) : أنه على سبيل الترفيق والتلطيف وهو من الله تعالى قطع ويقين ، كما في قوله : { اعبدوا ربكم } إلى قوله { لعلكم تتقون } ( وثانيها ) : أن يحمل ذلك على أن المطيع قد يصير عاصيا ، والعاصي قد يصير بالتوبة مطيعا ، فهذا السبب كان التغيير فيه محالا ( وثالثها ) : أن الثواب لما كان أكثره واقعا في الآخرة ، وكان ذلك مما لم يأت وقته ، ولا يقف أحد على وقته إلا الله ، لا جرم دخله تراخ ، فأدخلت السين لأنها حرف التراخي ليدل بذلك على أن الوعد آجل غير حاضر ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.