روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{إِنَّا جَعَلۡنَٰهُ قُرۡءَٰنًا عَرَبِيّٗا لَّعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ} (3)

{ إِنَّا جعلناه قُرْءاناً عَرَبِيّاً } جواب للقسم ، والجعل بمعنى التصيير المعدى لمفعولين لا بمعنى الخلق المعدى لواحد لا لأنه ينافي تعظيم القرآن بل لأنه يأباه ذوق المقام المتكلم فيه لأن الكلام لم يسبق لتأكيد كونه مخلوقاً وما كان إنكارهم متوجهاً عليه بل هو مسوق لإثبات كونه قرآناً عربياً مفصلاً وارداً على أساليبهم لا يعسر عليهم فهم ما فيه ودرك كونه معجزاً كما يؤذن به قوله تعالى : { لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } أي لكي تفهموه وتحيطوا بما فيه من النظر الرائق والمعنى الفائق وتقفوا على ما يتضمنه من الشواهد الناطقة بخروجه عن طوق البشر وتعرفوا حق النعمة في ذلك وتنقطع أعذاركم بالكلية والقسم بالقرآن على ذلك من الإيمان الحسنة البديعة لما فيه من رعاية المناسبة والتنبيه على أنه لا شيء أعلى منه فيقسم به ولا أهم من وصفه فيقسم عليه كما قال أبو تمام :

وثناياك إنها اغريض *** ولآل قوم وبرق وميض

بناءً على أن جواب القسم قوله : إنها إغريض ، واستدل بالآية على أن القرآن مخلوق وأطالوا الكلام في ذلك ، وأجيب بأنه إن دل على المخلوقية فلا يدل على أكثر من مخلوقية الكلام اللفظي ولا نزاع فيها .

وأنت تعلم أن الحنابلة ينازعون في ذلك ولهم عن الاستدلال أجوبة مذكورة في كتبهم ، وأخرج ابن مردويه . عن طاوس قال : جاء رجل إلى ابن عباس من حضرموت فقال له : يا ابن عباس أخبرني عن القرآن أكلام من كلام الله تعالى أم خلق من خلق الله سبحانه قال : بل كلام من كلام الله تعالى أو ما سمعت الله سبحانه يقول : { وَإِنْ أَحَدٌ مّنَ المشركين استجارك فَأَجِرْهُ حتى يَسْمَعَ كَلاَمَ الله } [ التوبة : 6 ] فقال له الرجل : أفرأيت قوله تعالى : { إِنَّا جعلناه قُرْءاناً عَرَبِيّاً } قال : كتبه الله تعالى فيا للوح المحفوظ بالعربية أما سمعت الله تعالى يقول : { بَلْ هُوَ قُرْءانٌ مَّجِيدٌ فِى لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ } [ البروج : 21 ، 22 ] فتأمل فيه .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{إِنَّا جَعَلۡنَٰهُ قُرۡءَٰنًا عَرَبِيّٗا لَّعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ} (3)

{ إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون } أي سميناه أو أنزلناه { قرآنا عربيا } فقد نزل القرآن بلسان العرب ، لا جرم أن لغة العرب كريمة وعذبة ومميزة ، فهي لسان أهل السماء ، ولسان أهل الجنة في الجنة . فضلا عما يتجلى في لغة العرب من حلاوة النظم والأسلوب ، وجمال الإيقاع والنغم ، وجرس الألفاظ والحروف ، وسرعة التأثير والنفاذ إلى الأذهان والقلوب . كل هاتيك الحقائق والمزايا التي تجلّي اللغة العربية ، قد خولتها أن تتصدر اللغات جميعا في مدى الصلوح للتخاطب والتبليغ والتذكير .

ولئن باتت لغة العرب في عصرنا الراهن هذا مسبوقة بكثير من اللغات الأجنبية الأخرى من حيث الشيوع والتقدم والاهتمام فمرد ذلك إلى التسلط أو الهيمنة التي جعلت لدول الظالمين في هذا الزمان ليعبأوا بلغاتهم دون غيرها فتكون لغاتهم هي السائدة والشائعة وموضع الاهتمام والإكبار خلافا للغة القرآن . اللغة الرفيقة الفضلى التي تصدى لها الظالمون من المشركين الماكرين ، والمنافقين الأتباع ، بالإزراء والغض والتناسي .

قوله : { لعلكم تعقلون } أي تتفكرون فيه وتتدبرون أحكامه ومعانيه .