{ وَوَصَّيْنَا الإنسان بوالديه إحسانا } نزلت كما أخرج ابن عساكر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه إلى قوله تعالى : { وَعْدَ الصدق الذي كَانُواْ يُوعَدُونَ } [ الأحقاف : 16 ] .
{ وإحساناً } قيل : مفعول ثان لوصينا على تضمينه معنى الزمنا ، وقيل : منصوب على المصدر على تضمين { وَلَقَدْ وَصَّيْنَا } معنى أحسنا أي أحسنا بالوصية للإنسان بوالديه إحساناً ، وقيل : صفة لمصدر محذوف بتقدير مضاف أي إيصاء ذا إحسان ، وقيل : مفعول له أي وصيناه بهما لإحساننا إليهما ، وقال ابن عطية : إنه منصوب على المصدر الصريح و { بوالديه } متعلق بوصينا ، أو به وكأنه عنى يحسن إحساناً وهو حسن ، لكن تعقب أبو حيان تجويزه تعلق الجار بإحساناً بأنه لا يصح لأنه مصدر مقدر بحرف مصدري والفعل فلا يتقدم معموله عليه ولأن أحسن لا يتعدى بالباء وإنما يتعدى باللام تقول : أحسنت لزيد ولا تقول : أحسنت بزيد على معنى أن الإحسان يصل إليه ، وفيه أنا لا نسلم أن المقدر بشيء يشارك ما قدر به في جميع الأحكام لجواز أن يكون بعض أحكامه مختصاً بصريح لفظه مع أن الظرف يكفيه رائحة الفعل ولذا يعمل الاسم الجامد فيه باعتبار لمح المعنى المصدري ، وقد قالوا : إنه يتصرف فيه ما لا يتصرف في غيره لاحتياج معظم الأشياء إليه .
والجار والمجرور محمول عليه ، وقد كثر ما ظاهره التعلق بالمصدر المتأخر نكرة ك { لا تأخذكم بهما رأفة } [ النور : 2 ] ومعرفة نحو { فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السعى } [ الصافات : 102 ] وتأويل كل ذلك تكلف ، وأيضاً قوله : لأن أحسن لا يتعدى بالباء الخ فيه منع ظاهر ، وقدر بعضهم الفعل قبل الجار فقال : وصينا الإنسان بأن يحسن بوالديه إحساناً ، ولعل التنوين للتفخيم أي إحساناً عظيماً ، والإيصاء والوصية التقدم إلى الغير بما يعمل به مقترناً بوعظ من قولهم : أرض واصية متصلة النبات ، ففي الآية إشعار بأن الإحسان بهما أمر معتنى به ، وقد عد في الحديث ثاني أفضل الأعمال وهو الصلاة لأول وقتها ، وعد عقوقهما ثاني أكبر الكبائر وهو الإشراك بالله عز وجل ، والأحاديث في الترغيب في الأول والترهيب عن الثاني كثيرة جداً ، وفي الآيات ما فيه كفاية لمن ألقى السمع وهو شهيد .
وقرأ الجمهور { حَسَنًا } بضم الحاء وإسكان السين أي فعلاً ذا حسن أو كأنه في ذاته نفس الحسن لفرط حسنه ، وجوز أبو حيان فيه أن يكون بمعنى { إحسانا } فالأقوال السابقة تجري فيه . وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه . والسلمي . وعيسى { حَسَنًا } بفتح الحاء والسين ، وعن عيسى { حَسَنًا } بضمهما .
{ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً } أي ذات كره أو حملاً ذا كره وهو المشقة كما قال مجاهد .
والحسن . وقتادة ، وليس الكره في أول علوقها بل بعد ذلك حين تحد له ثقلاً . وقرأ شيبة . وأبو جعفر . والحرميان { كَرْهاً } بفتح الكاف وهما لغتان بمعنى واحد كالفقر والفقر والضعف والضعف ، وقيل : المضموم اسم والمفتوح مصدر .
وقال الراغب : قيل الكره أي بالفتح المشقة التي تنال الإنسان من خارج مما يحمل عليه بإكراه والكره ما يناله من ذاته وهو ما يعافه من حيث الطبع أو من حيث العقل أو الشرع . وطعن أبو حاتم في هذه القراءة فقال : لا تحسن هذه القراءة لأن الكره بالفتح الغصب والغلبة . وأنت تعلم أنها في السبعة المتواترة فلا معنى للطعن فيها ، وقد كان هذا الرجل يطعن في بعض القراآت بما لا علم له به جسارة منه عفا الله تعالى عنه { وَحَمْلُهُ وفصاله } أي مدة حمله وفصاله ، وبتقدير المضاف يصح حمل قوله تعالى : { ثَلاَثُونَ شَهْراً } على المبتدأ من غير كره .
والفصال الفطام وهو مصدر فاصل فكأن الولد فاصل أمه وأمه فاصلته . وقرأ أبو رجاء . والحسن . وقتادة . ويعقوب . والجحدري { وفصاله } أي فطمه فالفصل والفصال كالفطم والفطام بناءً ومعنى ؛ وقيل : الفصال بمعنى وقت الفصل أي الفطم فهو معطوف على مدة الحمل ، والمراد بالفصال الرضاع التام المنتهى بالفطام ولذلك عبر بالفصال عنه أو عن وقته دون الرضاع المطلق فإنه لا يفيد ذلك ، وفي الوصف تطويل ، والآية بيان لما تكابده الأم وتقاسيه في تربية الولد مبالغة في التوصية لها ، ولذا اعتنى الشارع ببرها فوق الاعتناء ببر الأب ، فقد روي «أن رجلاً قال : يا رسول الله من أبر ؟ قال : أمك قال : ثم من ؟ قال : أمك قال : ثم من ؟ قال : أمك قال : ثم من ؟ قال : أباك » وقد أشير في الآية إلى ما يقتضي البر بها على الخصوص في ثلاث مراتب فتكون الأوامر في الخبر كالمأخوذة من ذلك . واستدل بها علي كرم الله تعالى وجهه . وابن عباس رضي الله تعالى عنهما . وجماعة من العلماء على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر لما أنه إذا حط عن الثلاثين للفصال حولان لقوله تعالى : { حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرضاعة } [ البقرة : 233 ] يبقى للحمل ذلك وبه قال الأطباء ، قال جالينوس : كنت شديد الفحص عن مقدار زمن الحمل فرأيت امرأة ولدت لمائة وأربع وثمانين ليلة . وادعى ابن سينا أنه شاهد ذلك .
وأما أكثر مدة الحمل فليس في القرآن العظيم ما يدل عليه ؛ وقال ابن سينا في الشفا : بلغني من جهة من أثق به كل الثقة أن امرأة وضعت بعد الرابع من سني الحمل ولداً نبتت أسنانه ، وحكي عن أرسطو أنه قال : أزمنة الحمل لكل حيوان مضبوطة سوى الإنسان فربما وضعت المرأة لسبعة أشهر وربما وضعت لثمانية وقلما يعيش الولد في الثامن إلا في بلاد معينة مثل مصر ، ولعل تخصيص أقل الحمل وأكثر الرضاع بالبيان في القرآن الكريم بطريق الصراحة والدلالة دون أكثر الحمل وأقل الرضاع وأوسطهما لانضباطهما بعدم النقص والزيادة بخلاف ما ذكر ؛ وتحقق ارتباط حكم النسب بأقل مدة الحمل حتى لو وضعته فيما دونه لما يثبت نسبه منه وبعده يثبت وتبرأ من الزنا ، ولو أرضعت مرضعة بعد حولين لم يثبت به أحكام الرضاع في التناكح وغيره وفي هذا خلاف لا يعبأ به { حتى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ } غاية لمقدر أي فعاش أو استمرت حياته حتى إذا اكتهل واستحكم قوته وعقله { وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً } الظاهر أنه غير بلوغ الأشد ، وقال بعضهم : إنه بلوغ الأشد والعطف للتأكيد .
وقد ذكر غير واحد أن الإنسان إذا بلغ هذا القدر يتقوى جداً خلقه الذي هو عليه فلا يكاد يزايله بعد ، وفي الحديث «إن الشيطان يجر يده على وجه من زاد على الأربعين ولم يتب ويقول بأبي وجه لا يفلح » وأخرج أبو الفتح الأزدي من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس مرفوعاً «من أتى عليه الأربعون سنة فلم يغلب خيره شره فليتجهز إلى النار » وعلى ذلك قول الشاعر :
إذا المرء وافى الأربعين ولم يكن *** له دون ما يهوى حياءً ولا ستر فدعه
ولا تنفس عليه الذي مضى *** وإن جر أسباب الحياة له العمر
وقيل : لم يبعث نبي إلا بعد الأربعين ، وذهب الفخر إلى خلافه مستدلاً بأن عيسى ويحيى عليهما السلام أرسلا صبيين لظواهر ما حكي في الكتاب الجليل عنهما ، وهو ظاهر كلام السعد حيث قال : من شروط النبوة الذكورة وكمال العقل والذكاء والفطنة وقوة الرأي ولو في الصبا كعيسى ويحيى عليهما السلام إلى آخر ما قال .
وذهب ابن العربي في آخرين إلى أنه يجوز على الله سبحانه بعث الصبي إلا أنه لم يقع وتأولوا آيتي عيسى ويحيى { قَالَ إِنّى عَبْدُ الله ءاتَانِىَ الكتاب وَجَعَلَنِى نَبِيّاً } [ مريم : 30 ] ، { وَاتَيْنَاهُ الحكم صَبِيّاً } [ مريم : 12 ] بأنهما أخبار عما سيحصل لهما لا عما حصل بالفعل ، ومثله كثير في الآيات وغيرها ، والواقع عند هؤلاء البعث بعد البلوغ . وحكى اللقاني عن بعض اشتراطه فيه ويترجح عندي اشتراطه فيه دون أصل النبوة لما أن النفوس في الأغلب تأنف عن اتباع الصغير وإن كبر فضلاً كالرقيق والأنثى ، وصرح جمع بأن الأعم الأغلب كون البعثة على رأس الأربعين كما وقع لنبينا صلى الله عليه وسلم : { قَالَ رَبّ أَوْزِعْنِى } أي رغبني ووفقني من أوزعته بكذا أي جعلته مولعاً به راغباً في تحصيله . وقرأ البزي { أَوْزِعْنِى } بفتح الياء { أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ التي أَنْعَمْتَ عَلَىَّ وعلى وَالِدَىَّ } أي نعمة الدين أو ما يعمها وغيرها ، وذلك يؤيد ما روي أنها نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه لأنه لم يكن أحد أسلم هو وأبواه من المهاجرين والأنصار سواه كذا قيل ، وإسلام أبيه بعد الفتح وحينئذٍ يلزم أن تكون الآية مدنية وإليه ذهب بعضهم ، وقيل : إن هذا الدعاء بالنسبة إلى أبويه دعاء بتوفيقهما للإيمان وهو كما ترى .
واعترض على التعليل بابن عمر . وأسامة بن زيد . وغيرهما ، ونقل عن الواحدي أنه قد صحب النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمان عشرة سنة ورسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عشرين سنة في سفر للشام في التجارة فنزل تحت شجرة سمرة وقال له الراهب : إنه لم يستظل بها أحد بعد عيسى غيره صلى الله عليه وسلم فوقع في قلبه تصديقه فلم يكن يفارقه في سفر ولا حضر فلما نبىء وهو ابن أربعين آمن به وهو ابن ثمانية وثلاثين فلما بلغ الأربعين قال : { رَبّ أَوْزِعْنِى } الخ { وَأَنْ أَعْمَلَ صالحا ترضاه } التنوين للتفخيم والتكثير ، والمراد بكونه مرضياً له تعالى مع أن الرضا على ما عليه جمهور أهل الحق الإرادة مع ترك الاعتراض وكل عمل صالح كذلك أن يكون سالماً من غوائل عدم القبول كالرياء والعجب وغيرهما ، فحاصله اجعل عملي على وفق رضاك : وقيل المراد بالرضا هنا ثمرته على طريق الكناية { وَأَصْلِحْ لِى فِى ذُرّيَّتِى } أي اجعل الصلاح سارياً في ذريتي راسخاً فيهم كما في قوله :
فإن تعتذر في المحل من ذي ضروعها *** لدى المحل يجرح في عراقيبها نصلي
على أن { إصلاح } نزل منزلة اللازم ثم عدي بفي ليفيد ما أشرنا إليه من سريان الصلاح فيهم وكونهم كالظرف له لتمكنه فيهم وإلا فكان الظاهر وأصلح لي ذريتي ، وقيل : عدي بفي لتضمنه معنى اللطف أي ألطف بي في ذريتين ، والأول أحسن ، قال ابن عباس : أجاب الله تعالى دعاء أبي بكر فأعتق تسعة من المؤمنين منهم بلال . وعامر بن فهيرة ولم يرد شيئاً من الخير إلا أعانه الله تعالى عليه ، ودعا أيضاً فقال : { إصلاح لِى فِى ذُرّيَّتِى } فأجابه الله تعالى فلم يكن له ولد إلا آمنوا جميعاً فاجتمع له إسلام أبويه وأولاده جميعاً ، وقد أدرك أبوه وولده عبد الرحمن وولده أبو عتيق النبي صلى الله عليه وسلم وآمنوا به ولم يكن ذلك لأحد من الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين { إِنّى تُبْتُ إِلَيْكَ } عما لا ترضاه أو يشغل عنك { وَإِنّى مِنَ المسلمين } الذين أخلصوا أنفسهم لك .
قوله تعالى : { ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين 15 أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون } .
هذه آيات بينات يوصي الله فيهن بالوالدين إحسانا . وفي ذلك من بالغ التكريم والتعظيم للآباء والأمهات ما ليس له في الملل والعقائد والفلسفات نظير . وذلكم هو القرآن الحكيم بآياته العجاب ، وإعجازه الباهر ، وأسلوبه المميز الفذ ، يحرض على الاهتمام بالوالدين ، ببذل الخير والتبجيل لهما ، ودفع الأذى والشر وكل وجوه الإساءة عنهما ، وذلك ليتبوأ الوالدان في كنف الأولاد خير منزلة من منازل الاحترام والإكرام والتقدير : وأيما إساءة بعد ذلك أو بذاءة من لسان أو إهانة لأحدهما أو كلاهما فإنه فسق عن دين الله وعصيان لرب العباد .
وتكريم الوالدين يأتي في ذروة العبادات التي يتقرب بها العبد من ربه ، وذلك بجم التواضع لهما وعظيم الإحسان إليهما وأرقى الدرجات من التأدب في مخاطبتهما . وإذا لم يكن المرء مع أبويه كذلك فيوشك حينئذ أن يهوي بنفسه في جهنم . وذلكم قوله سبحانه : { ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا } { إحسانا } منصوب على المصدر ، وتقديره : ووصينا الإنسان بوالديه أن يحسن إحسانا{[4207]} فقد أمر الله الإنسان أن يحسن إلى والديه بالحنو عليهما والرأفة بهما وبتكريمهما . وفي سبب نزول هذه الآية روى أبو داود عن سعد ( رضي الله عنه ) قال : قالت أم سعد لسعد : أليس قد أمر الله بطاعة الوالدين ؟ فلا آكل طعاما ولا أشرب شرابا حتى تكفر بالله تعالى ، فامتنعت من الطعام والشراب حتى جعلوا يفتحون فاها بالعصا . ونزلت هذه الآية .
قوله : { حملته أمه كرها ووضعته كرها } حملت الأم ولدها جنينا في بطنها في مشقة ووضعته لدى الولادة في مشقة ، وفي ذلك من شديد العسر والكرب والإيلام على الأمهات ما لا يخفى . ويراد بذلك ، التذكير بعظيم فضل الأم على ولدها لكي يحسن إليها ويحدب عليها بالغ الحدب وأن يبذل لها من وجوه التعظيم والاحترام ما يولجه في زمرة المؤمنين الصادقين .
قوله : { وحمله وفصاله ثلاثون شهرا } أي أن مدة حمل الإنسان في بطن أمه ومدة فصاله وهو فطامه من الرضاع { ثلاثون شهرا } وبذلك فإن ثلاثين شهرا هي المدة من عند ابتداء الحمل إلى أن يفصل من الرضاع ، أي يفطم عنه .
ويستدل بهذه الآية على أن أقل مدة الحمل هي ستة أشهر ، لأن مدة الرضاع الكامل سنتان لقوله سبحانه : { يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أ ن يتم الرضاعة } قال ابن عباس في ذلك ، إذا حملت تسعة أشهر أرضعت إحدى وعشرين شهرا . وإن حملت ستة أشهر أرضعت أربعة وعشرين شهرا . وروي أن عثمان قد أتى بامرأة قد ولدت لستة أشهر فأراد أن يقضي عليها بالحد فقال له علي ( رضي الله عنه ) : ليس ذلك عليها . قال الله تعالى : { وحمله وفصاله ثلاثون شهرا } وقال تعالى : { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين } فالرضاع أربعة وعشرون شهرا ، والحمل ستة أشهر . فرجع عثمان عن قوله ولم يحدّها .
قوله : { حتى إذا بلغ أشده } الأشد ، واحد جاء على بناء الجمع . وقيل : هو جمع لا واحد له من لفظه مثل أبابيل ومذاكير{[4208]} . والأشد ، هو تناهي قوة المرء واختلفوا في مدة الأشد . فقد قيل : ثلاث وثلاثون سنة . وقيل : الحلم . وقيل : ثماني عشرة سنة { وبلغ أربعين سنة } وذلك تناهي عقل الإنسان واكتمال فهمه وحلمه وتدبيره .
روى الحافظ أبو يعلى بإسناده عن عثمان ( رضي الله عنه ) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " العبد المسلم إذا بلغ أربعين سنة خفف الله تعالى حسابه . وإذا بلغ ستين سنة رزقه الله تعالى الإنابة إليه ، وإذا بلغ سبعين سنة أحبه أهل السماء ، وإذا بلغ ثمانين سنة ثبّت الله تعالى حسناته ومحا سيئاته ، وإذا بلغ تسعين سنة غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وشفّعه الله تعالى في أهل بيته وكتب في السماء أسير الله في أرضه " .
قوله تعالى : { قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي } إذا بلغ المرء سن الأربعين وفيها يكتمل الفهم والتدبير والإرادة – دعا ربه أن ألهمني شكر نعمتك علي وعلى والدي بالهداية والتوفيق وغير ذلك من وجوه النعم .
قوله : { وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي } يعني وألهمني أن أعمل الصالحات التي ترضاها وأصلح لي أموري في ذريتي بأن تجعلهم صالحين مهديين عاملين بشرعك ، مبتغين مرضاتك .
قوله : { إني تبت إليك وإني من المسلمين } أي تبت إليك من ذنوبي التي سبقت مني في سالف أيامي وإني من المستسلمين لأمرك الخاضعين لك بالطاعة والإذعان .