معاني القرآن للفراء - الفراء  
{وَوَصَّيۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيۡهِ إِحۡسَٰنًاۖ حَمَلَتۡهُ أُمُّهُۥ كُرۡهٗا وَوَضَعَتۡهُ كُرۡهٗاۖ وَحَمۡلُهُۥ وَفِصَٰلُهُۥ ثَلَٰثُونَ شَهۡرًاۚ حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُۥ وَبَلَغَ أَرۡبَعِينَ سَنَةٗ قَالَ رَبِّ أَوۡزِعۡنِيٓ أَنۡ أَشۡكُرَ نِعۡمَتَكَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَٰلِدَيَّ وَأَنۡ أَعۡمَلَ صَٰلِحٗا تَرۡضَىٰهُ وَأَصۡلِحۡ لِي فِي ذُرِّيَّتِيٓۖ إِنِّي تُبۡتُ إِلَيۡكَ وَإِنِّي مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ} (15)

وقوله : { وَوَصَّيْنا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانا } .

قرأها أهل الكوفة بالألف ، وكذلك هي في مصاحفهم ، وأهل المدينة وأهل البصرة يقرءون : ( حُسْناً ) وكذلك هي في مصاحفهم ، ومعناهما واحد والله أعلم .

وقوله : { حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً } .

وفي قراءة عبد الله : حتّى إذا استوى وبلغ أشده وبلغ أربعين سنة ، والمعنى فيه ، كالمعنى في قراءتنا ؛ لأنه جائز في العربية أن تقول : لمَّا ولد لك وأدركت مدرك الرجال عققت وفعلت ، والإدراك قبل الولادة ، ويقال : إِن الأشد هاهنا هو الأربعون .

وسمعت بعض المشيخة يذكر بإسناد له في الأشد : ثلاث وثلاثون ، وفي الاستواء : أربعون .

وسمعت أن الأشد في غير هذا الموضع : ثماني عشرة . والأول أشبه بالصواب ؛ لأن الأربعين أقرب في النسق إل ثلاث وثلاثين ومنها إِلى ثماني عشرة ؛ ألا ترى أنك تقول : أخذت عامة المال أو كلَّه ، فيكون أحسن من أن تقول : أخذت أقلّ المال أو كلّه . ومثله قوله : { إِنَّ رَبَّكَ يَعْلمُ أَنّكَ تقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ الّليْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ } ، فبعضُ ذا قريب من بعض ، فهذا سبيل كلام العرب [ 176/ا ] ، والثاني يعني ثماني عشرة ، [ و ] لو ضم إِلى الأربعين كان وجها .

وقوله : { أَوْزِعْنِي أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَكَ } .

نزلت هذه الآية : في أبى بكر الصديق رحمه الله .

[ حدثنا محمد قال ] حدثنا الفراء قال : حدثني به حبان بن على العنزيّ عن الكلبي عن أبى صالح عن ابن عباس قال : نزلت في أبى بكر رحمه الله إِلى قوله : { أُولَئِكَ الَّذِين نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ } إلى آخر الآية .

وقرأ يحيى بن وثاب ، وذُكرت عن بعض أصحاب عبد الله : { نتقبَّلُ عنهم أحْسَنَ ما عَمِلوا ونتجاوز عن سيئاتهم } بالنون . وقراءة العوام : «يُتقبل عنهم أحسن ما عملوا ويُتجاوز عن سيئاتهم » بالياء وضمها ، ولو قرئت «تُتَقبَّل عنهم [ أحسن ما عملوا ] وتُتجاوز » كان صواباً .