جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{وَوَصَّيۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيۡهِ إِحۡسَٰنًاۖ حَمَلَتۡهُ أُمُّهُۥ كُرۡهٗا وَوَضَعَتۡهُ كُرۡهٗاۖ وَحَمۡلُهُۥ وَفِصَٰلُهُۥ ثَلَٰثُونَ شَهۡرًاۚ حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُۥ وَبَلَغَ أَرۡبَعِينَ سَنَةٗ قَالَ رَبِّ أَوۡزِعۡنِيٓ أَنۡ أَشۡكُرَ نِعۡمَتَكَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَٰلِدَيَّ وَأَنۡ أَعۡمَلَ صَٰلِحٗا تَرۡضَىٰهُ وَأَصۡلِحۡ لِي فِي ذُرِّيَّتِيٓۖ إِنِّي تُبۡتُ إِلَيۡكَ وَإِنِّي مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ} (15)

{ ووصينا الإنسان بوالديه } ، لما ذكر التوحيد عطف عليه بالوصية بالوالدين كقوله تعالى : { وقضى ربك ألا تعبدوا } الآية ( الإسراء :23 ) وقوله :{ أن أشكر لي ولوالديك } ( لقمان : 14 ) ، { إحسانا } ، منصوب بوصينا بأنه بمعنى ألزمناه الحسن في أبويه ، { حملته أمه كرها ووضعته{[4585]} كرها } ، نصب على الحال ، أي : ذات كره ، أو صفة لمصدر ، أي : حملا ذا كره ومشقة ، { وحمله وفصاله } ، أي : مدتهما ، والفصال : الفطام ، { ثلاثون شهرا } فأقل مدة الحمل ستة أشهر لأنه إذا حط عنه حولان كاملان لمن أراد أن يتم الرضاعة بقي ذلك ، وفي سورة لقمان { وفصاله في عامين } ( لقمان :14 ) وعن ابن عباس رضي الله عنهما : وإذا وضعت بعد تسعة أرضعت إحدى وعشرين ، وإذا وضعت بعد ستة أرضعت أربعة وعشرين ، { حتى إذا بلغ أشده } : استحكم قواه واكتهل ، قيل : هو ما بين ثماني عشر إلى أربعين ، وقيل : ثلاث وثلاثون إلى أرٍبعين ، وهو غايته ، { وبلغ أربعين{[4586]} سنة قال رب أوزعني } : ألهمني ، { أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي } ، والنعمة : الهداية والإسلام ، { وأن أعمل صالحا{[4587]} ترضاه وأصلح{[4588]} لي في ذريتي } ، اجعل لي الصلاح ساريا فيهم ، { إني تبت إليك وإني من المسلمين } ، قيل : نزلت في أبي بكر رضي الله عنه ، اجتمع له إسلام أبويه وأولاده جميعا ، ولم يكن ذلك لأحد من الصحابة ، وهذا إرشاد لمن بلغ الأربعين أن يجدد الإنابة إلى الله تعالى : فقد ورد " من بلغ الأربعين ، ولم يغلب خيره شره فليتجهز إلى النار " {[4589]} ،


[4585]:ولما كان الاهتمام في شأن الأم لضعفها وكثرة احتياجها إلى الإحسان، ذكر ما للأم من الحقوق/12 وجيز.
[4586]:أي: المحسن في سن كمال العقل/12.
[4587]:وفي هذه الآية دليل على أنه ينبغي لمن بلغ عمره أربعين سنة، أن يستكثر من هذه الدعوات/12 فتح.
[4588]:اعلم أن مراتب السعادات ثلاثة: أكملها النفسانية، وأوسطها البدنية، وأدونها الخارجية، والسعادات النفسانية: هو اشتغال القلب بشكر آلاء الله ونعمائه، والسعادات البدنية: هي اشتغال البدن بالطاعة والخدمة، والسعادات الخارجية: هي سعادة الأهل والولد، فلما كانت المراتب محصورة في هذه الثلاثة لا جرم رتبها الله تعالى على هذا الوجه /12 كبير.
[4589]:"موضوع" ذكره ابن الجوزي في "الموضوعات"، (1/178)، والسيوطي في "اللآلئ المصنوعة"، (1/71).