روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{وَأَنَّا لَمَسۡنَا ٱلسَّمَآءَ فَوَجَدۡنَٰهَا مُلِئَتۡ حَرَسٗا شَدِيدٗا وَشُهُبٗا} (8)

{ وَأَنَّا لَمَسْنَا السماء } أي طلبنا بلوغها لاستماع كلام أهلها أو طلبنا خبرها واللمس قيل مستعار من المس للطلب كالجس يقول لمسه والتمسه وتلمسه كطلبه وأطلبه وتطلبه والظاهر أن الاستعارة هنا لغوية لأنه مجاز مرسل لاستعماله في لازم معناه والسماع على ظاهرها { فوجدناها } أي صادفناها وأصبناها فوجد متعد لواحد وقوله تعالى : { مُلِئَتْ } في موضع الحال بتقدير قد أو بدونه وإن كانت وجد من أفعال القلوب فهذه الجملة في موضع المفعول الثاني وقرأ الأعرج مليت بالياء دون همز { حَرَساً } أي حراساً اسم جمع كخدم كما ذهب إليه جمع لأنه على وزن يغلب في المفردات كبصر وقمر ولذا نسب إليه فقيل حرسي وذهب بعض إلى أنه جمع والصحيح الأول ولذا وصف بالمفرد فقيل { شَدِيداً } أي قوياً نحوه قوله

بنيته بعصبة من ماليا *** أخشى رجيلاً وركيباً عادياً

ولو روعي معناه جمع بأن يقال شداداً إلا أن ينظر لظاهر وزن فعيل فإنه يستوي فيه الواحد والجمع والمراد بالحرس الملائكة عليهم السلام الذين يمنعونهم عن قرب السماء { وَشُهُباً } جمع شهاب وقد مر الكلام فيه وجوز بعضهم أن يكون المراد بالحرس الشهب والعطف مثله في قوله

: وهند أتى من دونها النأي والبعد *** وهو خلال الظاهر ودخول إنا لمسنا الخ في حيز الإيمان وكذا أكثر الجمل الآتية في غاية الخفاء والظاهر تقدير نحو نخبركم فيها لا يظهر دخوله في ذلك أو تأويل { آمنا } من أول الأمر بما ينسحب على الجميع .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَأَنَّا لَمَسۡنَا ٱلسَّمَآءَ فَوَجَدۡنَٰهَا مُلِئَتۡ حَرَسٗا شَدِيدٗا وَشُهُبٗا} (8)

قوله تعالى : { وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشبها 8 وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا 9 وأنا لا ندري أشرّ أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا } .

ذلك إخبار من الله عن الجن حين بعث رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم للعالمين وأنزل عليه القرآن وكان من حفظ الله لكتابه الحكيم أن السماء قد ملئت حرسا وشهبا من كل أرجائها وطردت منها الشياطين كيلا يسترقوا شيئا من أخبار السماء فيلقوه على ألسنة الكهنة فيلتبس الأمر على الناس ويختلط ، فلا يدرون الصادق من الكاذب .

وهو قوله : { وأنا لمسنا السماء } وهذا من قول الجن . يعني طلبنا أخبار السماء كما كنا نطلبها في العادة { فوجدناها ملئت حرسا شديدا } جملة { ملئت } في موضع نصب على الحال . وحرسا ، مفعول ثان لملئت ، وهو جمع ومفرده حارس . يعني ملئت السماء من سائر أطرافها وأنحائها حراسا من الملائكة أشداء أقوياء يحفظونها من استراق الشياطين { وشبها } جمع شهاب وهو الشعلة الساطعة من النار{[4654]} فقد كانت الملائكة ترجمهم بالشهب الحارقة منعا لهم من الاستماع . أو كانت تنقضّ عليهم قذائف من نار الكواكب لتحرقهم وتحول بينهم وبين استراق السمع .


[4654]:مختار الصحاح ص 349.