اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَأَنَّا لَمَسۡنَا ٱلسَّمَآءَ فَوَجَدۡنَٰهَا مُلِئَتۡ حَرَسٗا شَدِيدٗا وَشُهُبٗا} (8)

قوله : { وَأَنَّا لَمَسْنَا السماء } . هذا من قول الجنِّ ، أي : طلبنا خبرها كما جرت عادتنا { فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً } ، أي ملئت حفظاً يعني : الملائكة .

فاللَّمْسُ : المس ، فاستعير للطلب ، لأن الماس متقرب ، يقال : لمسه والتمسه ونحوه الجس يقال : جسوه بأعينهم وتجسسوه .

والمعنى : طلبنا بلوغ السَّماء واستماع كلام أهلها .

قوله : { فَوَجَدْنَاهَا } ، فيها وجهان :

أظهرهما : أنها متعدية لواحد ؛ لأن معناها : أصبنا وصادفنا ، وعلى هذا فالجملة من قوله «مُلِئَتْ » في موضع نصب على الحال على إضمار «قَدْ » .

والثاني : أنها متعدية لاثنين ، فتكونُ الجملة في موضع المفعول الثاني .

و «حَرَساً » نصب على التمييز نحو «امتلأ الإناء ماء » .

والحَرَس : اسم جمع ل «حَارِس » نحو «خَدَم » ل «خَادِم » و «غيب » لغائب ، ويجمع تكسيراً على «أحْراس » ؛ كقول امرئ القيس : [ الطويل ]

4896 - تَجَاوَزْتُ أحْرَاساً وأهْوَال مَعْشَر***حِرَاصٍ عليَّ لو يُسِرُّونَ مَقْتَلِي{[58125]}

والحارس : الحافظُ الرقيبُ ، والمصدر الحراسةُ ، و «شديداً » صفة ل «حَرسَ » على اللفظ ؛ كقوله : [ الرجز ]

4897 - أخْشَى رُجَيْلاً أو رُكَيْباً عَادِيَا{[58126]} *** . . .

ولو جاء على المعنى لقيل : «شداد » بالجمع ، لأن المعنى : مُلئتْ ملائكة شداد ، كقولك السلف الصالح ، يعني : الصالحين .

قال القرطبيُّ{[58127]} : «ويجوز أن يكون حَرَساً مصدراً على معنى : حرست حراسة شديدة » .

قوله : «وشُهُباً » . جمع «شِهَاب » ك «كِتَابِ وكُتُب » .

وقيل : المراد النجوم ، أو الحرسُ أنفسهم ، وهو انقضاض الكواكب المحرقة لهم عن استراقة السمع ، وقد تقدم في سورة «الحجر ، والصافات » .

وإنَّما عطف بعض الصفات على بعض عند تغاير اللفظ ، كقوله : [ الطويل ]

4898 - . . . *** وهِنْدٌ أتَى مِنْ دُونهَا النَّأيُ والبُعْدُ{[58128]}

وقرأ الأعرجُ{[58129]} : «مُلِيتْ » بياء صريحة دون همزة .


[58125]:ينظر ديوانه ص (13)، وجمهرة اللغة ص 736، وخزانة الأدب 11/238، 239، وشرح شواهد المغني 2/251، ومغني اللبيب 1/265، ورصف المباني ص 292، والدر المصون 6/392.
[58126]:صدر بيت لعبد يغوث بن وقاص الحارثي، وعجزه: ... *** والذئب أخشاه وكلبا عاويا ينظر اللسان (رجل) والكشاف 4/124، والبحر 8/342 والدر المصون 6/392.
[58127]:ينظر: الجامع لأحكام القرآن 19/9.
[58128]:تقدم.
[58129]:ينظر: المحرر الوجيز 5/381، والبحر المحيط 8/342، والدر المصون 6/392.