الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَأَنَّا لَمَسۡنَا ٱلسَّمَآءَ فَوَجَدۡنَٰهَا مُلِئَتۡ حَرَسٗا شَدِيدٗا وَشُهُبٗا} (8)

اللمس : المس ، فاستعير للطلب ؛ لأن الماس طالب متعرف قال :

مَسَسْنَا مِنَ الآبَاءِ شَيْئاً وَكُلُّنَا *** إلى نَسَبٍ في قَوْمِهِ غَيْرِ وَاضِعِ

يقال : لمسه والتمسه ، وتلمسه «كطلبه وأطلبه وتطلبه » ونحوه : الجس . وقولهم ؛ جسوه بأعينهم وتجسسوه . والمعنى : طلبنا بلوغ السماء واستماع كلام أهلها . والحرس : اسم مفرد في معنى الحرّاس ، كالخدم في معنى الخدّام ؛ ولذلك وصف بشديد ، ولو ذهب إلى معناه لقيل : شداداً ؛ ونحوه .

أَخْشَى رُجَيْلاً أَوْ رُكُيْباً غَادِيَا***

لأنّ الرجل والركب مفردان في معنى الرجال والركاب . والرصد : مثل الحرس : اسم جمع للراصد ، على معنى : ذوى شهاب راصدين بالرجم ، وهم الملائكة الذين يرجمونهم بالشهب ، ويمنعونهم من الاستماع . ويجوز أن يكون صفة للشهاب . بمعنى الراصد أو كقوله :

. . . . . . وَمعى جِيَاعاً ***

يعني يجد شهاباً راصداً له ولأجله .

فإن قلت : كأن الرجم لم يكن في الجاهلية ، وقد قال الله تعالى : { وَلَقَدْ زَيَّنَّا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رُجُوماً للشياطين } [ الملك : 5 ] ، فذكر فائدتين في خلق الكواكب : التزيين ، ورجم الشياطين ؟ قلت : قال بعضهم حدث بعد مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو إحدى آياته ، والصحيح أنه كان قبل المبعث ؛ وقد جاء ذكره في شعر أهل الجاهلية . قال بشر بن أبي خازم :

وَالْعِيرُ يُرْهِقُهَا الْغُبَارُ وَجَحْشُهَا *** يَنْقَضُّ خَلْفَهُمَا انْقِضَاضَ الْكَوْكَبِ

وقال أوس بن حجر :

وَانْقَضَّ كَالدُّرِّيِّ يَتْبَعُه *** نَقْعٌ يَثُورُ تَخَالهُ طُنُبَا

وقال عوف بن الخرع :

يَرُدُّ عَلَيْنَا الْعِيرَ مِنْ دُونِ إلْفِهِ *** أَوِ الثَّوْرَ كَالدُّرِّىِّ يَتْبَعُهُ الدَّمُ

ولكن الشياطين كانت تسترق في بعض الأحوال ، فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم : كثر الرجم وزاد زيادة ظاهرة ؛ حتى تنبه لها الإنس والجن ، ومنع الاستراق أصلاً . وعن معمر : قلت للزهري : أكان يرمى بالنجوم في الجاهلية ؟ قال : نعم .