روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ ٱلۡمُكۡرَمِينَ} (27)

{ بِمَا غَفَرَ لِى رَبّى وَجَعَلَنِى مِنَ المكرمين } استئناف بياني أيضاً كأنه قيل بعد أن أخبر عنه بما أخبر : فماذا قال عند نيله تلك الكرامة السنية ؟ فقيل : قال الخ ، وإنما تمنى علم قومه بحاله ليحملهم ذلك على اكتساب مثله بالتوبة عن الكفر والدخول في الإيمان والطاعة جرياً على سنن الأولياء في كظم الغيظ والترحم على الأعداء ، وفي الحديث نصح قومه حياً وميتاً .

وقيل : يجوز أن يكون تمنيه ذلك ليعلموا أنهم كانوا على خطأ عظيم في أمره وأنه كان على صواب ونصيحة وشفقة وأن عداوتهم لم تكسبه إلا فوزاً ولم تعقبه إلا سعادة لأن في ذلك زيادة غبطة له وتضاعف لذة وسرور ، والوجه الأول أولى ، والظاهر أن ما مصدرية ، ويجوز أن تكون موصولة والعائد مقدر أي يا ليت قومي يعلمون بالذي غفر لي به أي بسببه ربي أو بالذي غفره أي بالغفران الذي غفره لي ربي ، والمراد تعظيم مغفرته تعالى له فتؤول إلى المصدرية ، وقال الزمخشري : أي بالذي غفره لي ربي من الذنوب . وتعقب بأنه ليس بجيد إذ يؤول إلى تمني علمهم بذنوبه المغفورة ولا يحسن ذلك ، وكذا عطف { وَجَعَلَنِى مِنَ المكرمين } عليه لا ينتظم ، وما قيل من أن الغرض منه الإعلام بعظم مغفرة الله تعالى ووفور كرمه وسعة رحمته فلا يبعد حينئذٍ إرادة معنى الاطلاع عليها لذلك بل هو أوقع في النفس من ذكر المغفرة مجردة عن ذكر المغفور لاحتمال حقارته تكلف . وأجاز الفراء أن تكون استفهامية والجار صلة { غَفَرَ } أي بأي شيء غفر لي ربي يريد به المهاجرة عن دينهم والمصابرة على أذيتهم حتى قتل . وتعقبه الكسائي بأنه لو صح ذلك لقيل بم بغير ألف فإن اللغة الفصيحة حذفها إذا جرت ما الاستفهامية بحرف جر نحو عم يتساءلون ، وقوله :

علام أقول الرمح أثقل عاتقي *** إذا أنا لم أطعن إذا الخيل كرت

فرقا بينها وبين الموصولة ، وإثباتها نادر ؛ وقيل مختص بالضرورة نحو قوله :

على ما قام يشتمني لئيم *** كخنزير تمرغ في رماد

وقوله :

إنا قتلنا بقتلانا سراتكم *** أهل اللواء ففيما يكثر القتل

وقراءة عكرمة . وعيسى { عَمَّا يَتَسَاءلُونَ } [ النبأ : 1 ] وقرأ { مِنَ المكرمين } مشدد الراء مفتوحها مفتوح الكاف .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ ٱلۡمُكۡرَمِينَ} (27)

قوله تعالى : { بما غفر لي ربي } يعني : بغفران ربي لي ، { وجعلني من المكرمين } تمنى أن يعلم قومه أن الله غفر له وأكرمه ، ليرغبوا في دين الرسل . فلما قتل حبيب غضب الله له وعجل لهم النقمة ، فأمر جبريل عليه السلام فصاح بهم صيحة واحدة ، فماتوا عن آخرهم ،

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ ٱلۡمُكۡرَمِينَ} (27)

{ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ } { بِمَا غَفَرَ لِي } ما مصدرية ؛ أي يعملون بغفران ربي{[3895]} . فبعد أن رأى ما أعدّه الله له من جزيل النعم وحسن الثواب وعظيم الكرامة في الجنة ، تمنى أن يعلمَ قومه بما أسبغ الله عليه من هذه النعم ؛ ليحملهم ذلك على التوبة والطاعة ومجانبة الكفر والإشراك بالله .

وذلك يشير إلى مبلغ إخلاص هذا المؤمن وحسن سيرته وقصده ؛ إذ تمنى لهم الهداية والنجاة بعد قتلهم له ، والتحاقه بالرفيق الأعلى ، مثل تمنيه لهم في الدنيا من الإيمان والطاعة والاستقامة . وذلك هو شأن المؤمنين الذين يدعون الناس إلى منهج الإسلام ؛ فإنهم يبتغون للبشرية الهداية والتوفيق والسعادة في الدارين ويتمنون لهم كل وجوه الخير والسلامة والنجاة ، لا يبتغون بذلك من أحد ثناءً ولا شكورا إلا الجزاء الكريم من الله .


[3895]:الدر المصون ج 9 ص 256