فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ ٱلۡمُكۡرَمِينَ} (27)

{ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ } الجملة مستأنفة جواب سؤال مقدر ، أي فماذا قال بعد أن قيل له : ادخل الجنة فدخلها ؟ فقال يا ليت قومي . . الخ . وهم الذين قتلوه فنصحهم حيا وميتا .

قال ابن أبي ليلى : سباق الأمم ثلاثة لم يكفروا بالله طرفة عين علي بن أبي طالب ، وهو أفضلهم ، ومؤمن آل فرعون ، وصاحب يس وهم الصديقون . ذكره الزمخشري و { مَا } في { بما } هي المصدرية ، وقيل موصولة أي بالذي غفر لي ربي ، والباء صلة يعلمون ، والعائد محذوف ، أي غفره لي ربي ، واستضعف هذا لأنه لا معنى لتمنية أن يعلم قومه بذنوبه المغفورة وليس المراد إلا التمني منه بأن يعلم قومه بغفران ربه له ، وإليه أشار في التقرير ، وقال الفراء : إنها استفهامية جاءت على الأصل بمعنى التعجب .

والباء صلة غفر كأنه قال بأي شيء غفر لي ربي يريد به المهاجرة عن دينهم ، والمصابرة على أذيتهم ، قال الكسائي : لو صح هذا لقال : بم من غير ألف ، ويجاب عنه بأنه قد ورد في لغة العرب إثباتها وإن كان مكثورا بالنسبة إلى حذفها وفي معنى تمنيه قولان : أحدهما أنه تمنى أن يعلموا بحاله ليعلموا حسن مآله وحميد عاقبته إرغاما لهم ، وقيل : إنه تمنى أن يعلموا بذلك ليؤمنوا مثل إيمانه فيصيروا إلى مثل حاله ، ولما وقع منهم مع حبيب النجار غضب الله له وعجل لهم النقمة ، وأهلكهم بالصيحة فقال :

{ وما أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ }