السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ ٱلۡمُكۡرَمِينَ} (27)

ولما أفضى به إلى الجنة { قال يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي } أي : بغفران ربي لي المحسن إلي في الآخرة بعد إحسانه في الدنيا بالإيمان في مدة يسيرة بعد طول عمري في الكفر { وجعلني من المكرمين } أي : الذين أعطاهم الدرجات العلا فنصح لقومه حياً وميتاً بتمني عملهم بالكرامة له ليعملوا مثل عمله فينالوا ما ناله .

تنبيه : في القصة حث على المبادرة إلى مفارقة الأشرار واتباع الأخيار والحلم عن أهل الجهل وكظم الغيظ والتلطف في خلاص الظالم من ظلمه وأنه لا يدخل أحد الجنة إلا برحمة الله وإن كان محسناً ، وهذا كما وقع للأنصار رضي الله تعالى عنهم في المبادرة إلى الإيمان مع بعد الدار والنسب ، وفي قول من استشهد منهم في بئر معونة كما رواه البخاري في المغازي عن أنس : «بلغوا قومنا أنا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا » وفي غزوة أُحد . كما في السيرة وغيرها : لما وجدوا طيب مشربهم ومأكلهم وحسن مقيلهم يا ليت إخواننا يعلمون ما صنع الله تعالى بنا لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا عن الحرب فقال الله تبارك وتعالى : فأنا أبلغهم عنكم فأنزل الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم { ولا تحسبنّ الذين قُتلوا في سبيل الله أمواتاً } ( آل عمران : 169 ) ، وفي التمثيل بهذه القصة إشارة إلى أن في قريش من حتم بموته على الكفر ولم ينقص ما قضى له من الأجل ، فالله سبحانه يؤيد هذا الدين بغيرهم لتظهر قدرته وحكمته .