روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{ٱلَّذِيٓ أَحَلَّنَا دَارَ ٱلۡمُقَامَةِ مِن فَضۡلِهِۦ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٞ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٞ} (35)

{ الذي أَحَلَّنَا دَارَ المقامة } أي دار الإقامة التي لا انتقال عنها أبداً وهي الجنة { مِن فَضْلِهِ } من إنعامه سبحانه وتفضله وكرمه فإن العمل وإن كان سبباً لدخول الجنة في الجملة لكن سببيته بفضل الله عز وجل أيضاً إذ ليس هناك استحقاق ذاتي ، ومن علم أن العمل متناه زائل وثواب الجنة دائم لا يزول لم يشك في أن الله تعالى ما أحل من أحل دار الإقامة إلا من محض فضله سبحانه وقال الزمخشري : أي من إعطائه تعالى وإفضاله من قولهم لفلان فضول على قومه وفواضل وليس من الفضل الذي هو التفضل لأن الثواب بمنزلة الأجر المستحق والتفضل كالتبرع وفيه من الاعتزال ما فيه { لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ } أي تعب { وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ } كلال وفتور وهو نتيجة النصب ، وضمه إليه وتكرير الفعل المنفي للمبالغة في بيان انتفاء كل منهما كذا قال جمع من الأجلة ، وقال بعضهم : النصب التعب الجسماني واللغوب التعب النفساني .

وأخرج ابن جرير عن قتادة أنه فسر النصب بالوجع والكلام من باب :

لا ترى الضب بها ينجحر *** والجملة حال من أحد مفعولي أحل . وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه . والسلمي { لُغُوبٌ } بفتح اللام ، قال الفراء : هو ما يغب به كالفطور والسحور ، وجاز أن يكون صفة لمصدر محذوف أي لا يمسنا فيها لغوب لغوب نحو شعر شاعر كأنه وصف اللغوب بأنه قد لغب أي أعيى وتعب .

وقال «صاحب اللوامح » يجوز أن يكون مصدراً كالقبور وإن شئت جعلته صفة لمضمر أي أمر لغوب .

ومن باب الإشارة : { الذي أَحَلَّنَا دَارَ المقامة مِن فَضْلِهِ لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ } هو نصب الأبدان وتعبها من أعمال الطاعة للتقرب إليه سبحانه { وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ } [ فاطر : 5 3 ] هو لغوب القلوب واضطرابها من تخيل القطيعة والرد وهجر الحبيب ، وقيل : لا يسمنا فيها نصب السعي في تحصيل أي أمر اردناه ولا يمسنا فيها لغوب تخيل ذهاب أي مطلوب حصلناه ، وقد أشاروا إلى أن كل ذلك من فضل الله تاعلى والله عز وجل ذو الفضل العظيم ، هذا ونسأل الله تعالى من فضله الحلو ما تنشق منه مرارة الحسود وينفطر به قلب كل عدو وينتعش فؤاد كل محب ودود .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ٱلَّذِيٓ أَحَلَّنَا دَارَ ٱلۡمُقَامَةِ مِن فَضۡلِهِۦ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٞ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٞ} (35)

قوله تعالى : { الذي أحلنا } أنزلنا ، { دار المقامة } أي : الإقامة ، { من فضله لا يمسنا فيها نصب } أي : لا يصيبنا فيها عناء ومشقة ، { ولا يمسنا فيها لغوب } إعياء من التعب .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{ٱلَّذِيٓ أَحَلَّنَا دَارَ ٱلۡمُقَامَةِ مِن فَضۡلِهِۦ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٞ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٞ} (35)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

ثم قالوا: الحمد لله {الذي أحلنا دار المقامة} يعني دار الخلود، أقاموا فيها أبدا لا يموتون ولا يتحولون عنها أبدا.

{من فضله لا يمسنا فيها نصب} لا يصيبنا في الجنة مشقة في أجسادنا.

{ولا يمسنا فيها لغوب} ولا يصيبنا في الجنة عيا لما كان يصيبهم في الدنيا من النصب في العبادة.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل الذين أدخلوا الجنة "إنّ رَبّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ الّذِي أحَلّنا دَارَ المُقامَةِ": أي ربنا الذي أنزلنا هذه الدار، يعنون الجنة فدار المُقامة: دار الإقامة التي لا نقلة معها عنها ولا تحوّل. والميم إذا ضمت من المُقامة، فهي من الإقامة، فإذا فتحت فهي من المجلس، والمكان الذي يُقام فيه... وقوله: "لا يَمَسّنا فِيها نَصَبٌ "يقول: لا يصيبنا فيها تعب ولا وجع،

"وَلا يَمَسّنا فِيها لُغُوبٌ" يعني باللغوب: العناء والإعياء.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

سمّى الجنة دار المقامة لما لا يتمنى التحوّل منها ولا الانتقال {لا يبغون عنها حِولاً} [الكهف: 108]...

{لا يمُسّنا فيها نصب ولا يمسّنا فيها لغوب} ليس من صاحب نعمة في هذه الدنيا، وإن عظُمت إلا وهو يمل منها ويسأم، ويتمنى التحوّل منها والانتقال، وكذلك ليس من لذة وإن حلّت في هذه الدنيا إلا وهي تُعقَب بآفة، فأخبر أن نعيم الآخرة ولذاتها مما لا يُتمنّى، ولا يُبتغى التحول منها، ولا لذتها تعقبها آفة، فلا تعب ولا إعياء...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

فإن قلت: ما الفرق بين النصب واللغوب؟ قلت: النصب التعب والمشقة التي تصيب المنتصب للأمر المزاول له، وأما اللغوب فما يلحقه من الفتور بسبب النصب، فالنصب نفس المشقة والكلفة، واللغوب: نتيجته وما يحدث منه من الكلال والفترة...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

{من فضله} أي بحكم وعده لا بإيجاب من عنده... فإن قال قائل: إذا بين أنه لا يمسهم فيها نصب علم أنه لا يمسهم فيها لغوب... فنقول ما قاله الله في غاية الجلالة وكلام الله أجل وبيانه أجمل، ووجهه هو أنه تعالى بين مخالفة الجنة لدار الدنيا فإن الدنيا أماكنها على قسمين:

أحدهما: موضع نمس فيه المشاق والمتاعب كالبراري والصحاري والطرقات والأراضي. والآخر: موضع يظهر فيه الإعياء كالبيوت والمنازل التي في الأسفار من الخانات، فإن من يكون في مباشرة شغل لا يظهر عليه الإعياء إلا بعدما يستريح... وعلى هذا فحسن الترتيب ظاهر كأنه قال لا يمسنا مرض ولا دون ذلك وهو الذي يعيا منه مباشرة...

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

الذي أعطانا هذه المنزلة وهذا المقام من فضله وَمَنِّه ورحمته، لم تكن أعمالنا تساوي ذلك كما ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لن يدخل أحدا منكم عمله الجنة". قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: "ولا أنا، إلا أن يَتَغَمَّدَنِي الله برحمة منه وفضل"... فمن ذلك أنهم كانوا يُدْئبُون أنفسهم في العبادة في الدنيا، فسقط عنهم التكليف بدخولها، وصاروا في راحة دائمة مستمرة {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة: 24]...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما تذكروا ما شاهدوه في عرصات القيامة من تلك الكروب والأهوال، والأنكاد والأثقال، التي أشار إليها قوله تعالى: {وإن تدع مثقلة إلى حملها} الآية، استأنفوا قولهم في وصف دار القرار: {لا يمسنا} أي في وقت من الأوقات {فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب}.

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

{الَّذِي أَحَلَّنَا}: أنزلنا نزول حلول واستقرار، لا نزول معبر واعتبار...

{لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ}... يدل على أنهم لا ينامون في الجنة، لأن النوم فائدته زوال التعب وحصول الراحة به، وأهل الجنة بخلاف ذلك، ولأنه موت أصغر، وأهل الجنة لا يموتون.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

فالجو كله يسر وراحة ونعيم، والألفاظ مختارة لتتسق بجرسها وإيقاعها مع هذا الجو الحاني الرحيم، حتى "الحزن "لا يتكأ عليه بالسكون الجازم، بل يقال "الحزَن" بالتسهيل والتخفيف، والجنة (دار المقامة)، والنصب واللغوب لا يمسانهم مجرد مساس، والإيقاع الموسيقي للتعبير كله هادىء ناعم رتيب...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

من فضل الله أن جعل لهم الجنة جزاء على الأعمال الصالحة لأنه لو شاء لما جعل للصالحات عطاء، ولكان جزاؤها مجرد السلامة من العقاب، وكان أمر مَن لم يستحق الخلود في النار كفافاً، أي لا عقاب ولا ثواب فيبقى كالسوائم، وإنما أرادوا من هذا تمام الشكر والمبالغة في التأدب.