البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{ٱلَّذِيٓ أَحَلَّنَا دَارَ ٱلۡمُقَامَةِ مِن فَضۡلِهِۦ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٞ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٞ} (35)

لغب يلغب لغوباً : أعيا .

{ لا يسمنا فيها نصب } : أي تعب بدن ، { ولا يسمنا فيها لغوب } : أي تعب نفس ، وهو لازم عن تعب البدن .

وقال قتادة : اللغوب : الوضع .

وقال الزمخشري : النصب : التعب والمشقة التي تصيب المنتصب المزاول له ، وأما اللغوب : فما يلحقه من الفتور بسبب النصب .

فالنصب نفس المشقة والكلفة ، واللغوب نتيجته ، وما يحدث منه من الكلال والفترة . انتهى .

فإن قلت : إذا انتفى السبب انتفى مسببه ، فما حكمه إذا نفي السبب وانتفى مسببه ؟ وأنت تقول : ما شبعت ولا أكلت ، ولا يحسن ما أكلت ولا شبعت ، لأنه يلزم من انتفاء الأكل انتفاء الشبع ، ولا ينعكس ، فلو جاء على هذا الأسلوب لكان التركيب لا يمسنا فيها إعياء ولا مشقة ؟ فالجواب : أنه تعالى بين مخالفة الجنة لدار الدنيا ، فإن أماكنها على قسمين : موضع يمس فيه المشاق والمتاعب كالبراري والصحاري ، وموضع يمس فيه الأعياء كالبيوت والمنازل التي فيها الصغار ، فقال : { لا يمسنا في نصب } ، لأنها ليست مظان المتاعب لدار الدنيا ؛ { ولا يمسنا فيها لغوب } : أي ولا نخرج منها إلى موضع نصب ونرجع إليها فيمسنا فيها الإعياء .

وقرأ الجمهور : لغوب ، بضم اللام ، وعلي بن أبي طالب والسلمي : بفتحها .

قال الفراء : هو ما يلغب به ، كالفطور والسحور ، وجاز أن يكون صفة للمصدر المحذوف ، كأنه لغوب ، كقولهم : موت مائت .

وقال صاحب اللوامح : يجوز أن يكون مصدراً كالقبول ، وإن شئت جعلته صفة لمضمر ، أي أمر لغوب ، واللغوب أيضاً في غير هذا للأحمق .

قال أعرابي أن فلاناً لغوب جاءت كتابي فاحتقرها ، أي أحمق ، فقيل له : لم أنثته ؟ فقال : أليس صحيفة ؟