قوله : { الذي أَحَلَّنَا } أي أنزلنا «دارَ المُقَامَةِ » مفعول ثانٍ «لأَحَلَّنَا » ولا يكون ظرفاً لأنه مختص فلو كان ظرفاً لتعدي إليه الفعل بفِي{[45427]} والمُقَامَةُ الإقامة{[45428]} . والمفعول قد يجيء بالمصدر يقال : ما له مَعْقُول أي عَقْل . قال تعالى : { مُدْخَلَ صِدْقٍ } [ الإسراء : 80 ] { وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ } [ سبأ : 19 ] وكذلك المستخرج للإخراج لأن المصدر هو{[45429]} المفعول في الحقيقة فإنه هو الذي فعل ( فجاز{[45430]} إقامة المفعول مُقَامَهُ ) .
في قوله : { دَارَ المقامة } إشارة إلى أن الدنيا منزلة ينزلها المكلف ويرتحل عنها إلى منزلة القبور ومن القبور إلى منزلة العَرَصَات{[45431]} التي فيها الجَمْع ومنها التفريق وقد يكون النار لبعضهم منزلة أخرى والجنة دار البقاء وكذا النار لأهلها .
قوله : { مِن فَضْلِهِ } متعلق «بأَحَلَّنَا »{[45432]} و «من » إما لِلْعِلَّة وإما لابتداء الغاية{[45433]} ومعنى فضله أي يحكم وعده لا بإيجاب من عنده .
قوله : { لاَ يَمَسُّنَا } حال من مفعول «أَحَلَّنَا » الأول{[45434]} والثاني{[45435]} ، لأن الجملة مشتملة على ضمير كل منهما وإن كان الحال من الأول أظهر{[45436]} والنَّصْبُ التَّعَبُ{[45437]} والمشقَّة ، واللُّغُوبُ الفُتُورُ النَّاشِيءُ عنه{[45438]} وعلى هذا فيقال إذا انتفى السَّبَبُ فإذا قيل : لم آكل فيعلم انتفاء الشبع فلا حاجة إلى قوله ثانياً فلم أشبع بخلاف العكس ألا ترى أنه يجوز لم أشبع ولم آكل و ( في ){[45439]} الآية الكريمة على ما تقرر من نفي السبب فما فائدته ؟ وقد أجاب ابن الخطيب : بأنه بين مخالفة الجنة لدار الدنيا فإن أماكنها على قسمين موضع يمس فيه المشاق كالبَرَاري وموضع يمس فيه الإعباء كالبيوت والمنازل التي في الأسفار فقيل : لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ لأنها ليست مظانَّ المتاعب كدار الدنيا ولا يَمَسُّنَا فيها لغوب أي لا يخرج منها إلى موضع يتعب{[45440]} ويرجع إليها فيمسنا فيها الإعياء وهذا الجواب ليس بذاك{[45441]} والذي يقال : إن النصب هو تعب البدن واللغوب تعب النفس . وقيل : اللغوب الوجع وعلى هذين فالسؤال زائل{[45442]} وقرأ عليُّ والسُّلَمِيُّ بفتح لام لغوب{[45443]} وفيه أوجه :
أحدهما : أنه مصدر على فَعُول{[45444]} كالقَبُول .
والثاني : أنه اسم لما يلغب{[45445]} به كالفَطُورِ والسَّحُور . قاله الفراء{[45446]} .
الثالث : أنه صفة لمصدر مقدر أي لا يَمَسُّنَا لُغُوبٌ لَغُوبٌ نحو : شعرٌ شاعرٌ وموتٌ مائتٌ{[45447]} وقيل : صفة لشيء غير مقدار أي أمرٌ لَغُوب{[45448]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.