السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{ٱلَّذِيٓ أَحَلَّنَا دَارَ ٱلۡمُقَامَةِ مِن فَضۡلِهِۦ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٞ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٞ} (35)

وقولهم : { الذي أحلنا دار المقامة } أي : الإقامة إشارة إلى أن الدنيا منزلة ينزلها المكلف ويرتحل منها إلى منزلة القبور ، ومن القبور إلى منزلة العرصة التي فيها الجمع ومنها التفريق إلى دار البقاء ، إما إلى الجنة ، وإما إلى النار أجارنا الله تعالى ومحبينا منها . وقولهم { من فضله } أي : بلا عمل منا فإن حسناتنا إنما كانت مناً منه تعالى إذ لا واجب عليه ، متعلق بأحلنا ، ومن إما للعلة ، وإما لابتداء الغاية .

وقولهم { لا يمسنا فيها } أي : في وقت من الأوقات { نصب ولا يمسنا فيها لغوب } حال من مفعول أحلنا الأول أو الثاني ، لأن الجملة مشتملة على ضمير كل منهما ، وإن كان الحال من الأول أظهر ، والنصب التعب والمشقة ، واللغوب الفتور الناشئ عنه ، وعلى هذا فيقال : إذا انتفى السبب انتفى المسبب ، فإذا قيل : لم آكل فيعلم التغاء الشبع فلا حاجة إلى قوله ثانياً فلم أشبع بخلاف العكس ، ألا ترى أنه يجوز لم أشبع ولم آكل والآية الكريمة على ما تقرر من نفي السبب ثم نفي المسبب فما فائدته ؟ أجيب : بأن النصب هو تعب البدن واللغوب هو تعب النفس ، وقيل : اللغوب الوجع وحينئذ فالسؤال زائل ، وأجاب الرازي بجواب قال ابن عادل : ليس بذاك فتركته .