و { أَنتُمْ } خطاب للكفرة ومعبوديهم على سبيل التغليب نحو أنت وزيد تخرجان أي ما أنتم ومعبودوكم مفسدين أحداً على الله عز وجل بإغوائكم إلا من سبق في علم الله تعالى أنه من أهل النار يصلاها ويدخلها لا محالة .
وجوز كون الواو هنا مثلها في قولهم كل رجل وضيعته فجملة { مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ } الخ مستقلة ليست خبراً لإن وضمير { عَلَيْهِ } لما بتقدير مضاف وهو متعلق بفاتنين أيضاً بتضمينه معنى البعث أو الحمل ولا تغليب في الخطاب كأنه قيل : إنكم وآلهتكم قرناء لا تبرحون تعبدونها ثم قيل ما أنتم على عبادة ما تعبدون بباعثين أو حاملين على طريق الفتنة والإضلال أحداً إلا من سبق في علمه تعالى أنه من أهل النار ، وظاهر صنيع بعضهم أن أمر التغليب في { أَنتُمْ } على هذا على حاله ، وأنت تعلم أن الظاهر الاتصال ، وجوز أن يراد معنى المعية وخبر إن جملة { مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ } الخ ويكون الكلام على أسلوب قول الوليد بن عقبة بن أبي معيط عامله الله تعالى بما هو أهلة يحض معاوية على حرب الأمير علي كرم الله تعالى وجهه
: فإنك والكتاب إلى علي *** كدابغة وقد حلم الأديم
قال في «الكشف » : ومعنى الآية أي عليه أنكم يا كفرة مع معبوديكم لا يتسهل لكم إلا أن تفتنوا من هو ضال مثلكم ، وهو بيان لخلاصة المعنى ، واستظهر أبو حيان العطف وكون الضمير للعبادة وتضمين فاتنين معنى الحمل وتغليب المخاطب على الغائب في { أَنتُمْ } وكون الجملة المنفية خبر إن . وحكي عن بعضهم القول بأن على بمعنى الباء والضمير المجرور به لما تعبدون فتأمل .
وقرأ الحسن . وابن أبي عبلة { صَالُو * الجحيم } بالواو على ما في كتاب الكامل للهذلي ، وفي كتاب ابن خالويه عنهما { صَالِ } بالضم ولا واو . وفي «اللوامح » و «الكشاف » عن الحسن { صَالُو * الجحيم } بضم اللام فعلى إثبات الواو هو جمع سلامة سقطت النون للإضافة ، وفي الكلام مراعاة لفظ من أولاً ومعناها ثانياً كما هو قوله تعالى :
{ وَمِنَ الناس مَن يَقُولُ ءامَنَّا بالله وباليوم الأخر وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ } [ البقرة : 8 ] وعلى عدم إثباتها فيه ثلاثة أوجه ، الأول : أن يكون جمعاً حذفت النون منه للإضافة ثم واو الجمع لالتقاء الساكنين وأتبع الخط اللفظ .
الثاني : أن يكون مفرداً حذفت لامه وهي الياء تخفيفاً وجعلت كالمنسي وجرى الإعراب على عينه كما جرى على عين يد ودم وعلى ذلك قوله تعالى : { وَجَنَى الجنتين دَانٍ } [ الرحمن : 54 ] وقوله سبحانه : { وَلَهُ الجوار المنشآت } [ الرحمن : 24 ] بضم نون { الجنتين دَانٍ } وراء { الجوار } وقولهم ما باليت به بالة فإن أصل بالة بالية بوزن عافية حذفت لامه فأجري الإعراب على عينه ولما لحقته الهاء انتقل إليها ، الثالث : أن يكون مفرداً أيضاً ويكون أصله صائل على القلب المكاني بتقديم اللام على العين ثم حذفت اللام المقدمة وهي الياء فبقي صال بوزن فاع وصار معرباً كباب ونظيره شاك الجاري إعرابه على الكاف في لغة
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ما أنتم عليه} على ما تعبدون من الأصنام.
{بفاتنين} بمضلين أحدا بآلهتكم.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره:"فإنّكُمْ" أيها المشركون بالله "وَما تَعْبُدُونَ "من الآلهة والأوثان "ما أنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ" يقول: ما أنتم على ما تعبدون من دون الله "بفاتنين": أي بمضِلّينَ أحدا "إلاّ مَنْ هُوَ صالِ الجَحِيمِ" يقول: إلا أحدا سبق في علمي أنه صال الجحيم.
وقد قيل: إن معنى "عَلَيْهِ" في قوله: {ما أنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ} بمعنى به.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
لا يملكون أن يفتنوهم، وأن يضلّون إلا من هو في علم الله أنه يختار الضلالة، وهو ما ذكر عز وجل في آية أخرى: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين} [الحجر: 42].
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
إن قلت: كيف يفتنونهم على الله؟ قلت: يفسدونهم عليه بإغوائهم واستهزائهم.
{ما أنتم عليه} أي على ما تعبدون {بفاتنين} بباعثين أو حاملين على طريق الفتنة والإضلال.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ابتدأ الخبر عن "أن "فصدره بالنافي فقال: {ما} وغلب المخاطبين المعبر عنهم بكاف الخطاب على من عطف عليهم وهم معبوادتهم؛ تنبيهاً على أنهم عدم كما حقرهم بالتعبير عنهم بما دون "من" فقال مخاطباً: {أنتم عليه} أي على الله خاصة.
{بفاتنين} أي بمغيرين أحداً من الناس بالإضلال...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
إنكم مصطحبين بالجن الذين تعبدونهم لا تَفتنون أحداً، ووجه ذكر المفعول معه؛ أنهم كانوا يموهون للناس أن الجن تنفع وتضر، وأن الأصنام كذلك وكانوا يخوّفون الناس من بأسها وانتقامها كما قالت امرأة الطفيل بن عَمرو الدوسي لما أسلم ودعاها إلى الإسلام « ألا تخشى على الصِبية من ذي الشّرى؟ قال: لا» فأسلمتْ وكانوا يزعمون أن من يسبّ الأصنام يصيبه البرص أو الجذام...
ولا يستقيم أن تكون الواو عاطفة لأن الأصنام لا يسند إليها الإِفتان...
والمعنى: فإنكم مع ما تعبدون، أي فإنكم قرناء لآلهتكم لا تبرحون تَعبدونها، وهذا كما يقولون « كل رجل وضيعتَه» أي مع ضيعته، أي مقارن لها.
{ما تعبدون} صادق على الجن لقوله تعالى: {وجعلوا لله شركاء الجن} [الأنعام: 100] لأن الجن تَصدر منهم فتنة الناس بالإِشراك دون الأصنام؛ إذ لا يتصور ذلك منها قال تعالى: {ويوم نحشرهم وما يعبدون من دون اللَّه فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء} [الفرقان: 17] الآية.
ضمير {عَلَيْهِ} يجوز أن يكون عائداً إلى اسم الجلالة في قوله: {ليقولون ولَدَ الله}
[الصافات: 151 -152] أو في قوله: {إلاَّ عباد الله} [الصافات: 160]، ويجوز أن يعود إلى {ما تعبدون} بمراعاة إفراد اسم الموصول وهو {ما.
وحذف مفعول فاتنين لقصد العموم، والتقدير: بفاتنين أحداً، ومعياره صحة...
{بفاتِنِينَ}. حرف (على) يتعلق ب« فاتنين» إمّا لتضمين « فاتنين» معنى مفسدين إن كان الضمير المجرور بها عائداً إلى اسم الجلالة كما يقال: فسد العبدُ على سيّده وخَلّق فلان المرأةَ على زوجها، وتكون (على) للاستعلاء المجازي؛ لأن تضمين مفسدين فيه معنى الغلبة، وإما لتضمينه معنى حاملين ومسؤولين ويكون (على) بمعنى لام التعليل كقوله: {ولتكبروا اللَّه على ما هداكم} [البقرة: 185] ويكون تقدير مضاف بين (على) ومجرورها تقديره: على عبادة ما تعبدون، والمعنى: أنكم والشياطين لا يتبعكم أحد في دينكم إلا من عرض نفسه ليكون صاليَ الجحيم، وهذا في معنى قوله تعالى: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلاّ من اتّبعك من الغاوين وإن جهنم لموعدهم أجمعين} [الحجر: 42- 43].
{مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ} يعني: أنتم وما تعبدون من دون الله لا تفتنوا خَلْقي عليَّ. يعني: لا تُفْسِدوا الخَلْق على الله تعالى، يُقَالُ: فتن فلان على فلان زوجته. يعني: أفسدها عليه، والمعنى: أنتم لا تستطيعون أنْ تفسدوا بيني وبين ملائكتي.
وكيف والملائكة أنفسهم ما خُلقوا إلا لعبادتي وحبي {يُسَبِّحُونَ الَّيلَ وَالنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ} [الأنبياء: 20] كيف تفسدونهم وهم بريئون منكم ومن عبادتكم لهم، بل ويلعنونكم. إذن: كيف تفسدونهم على الله؟..
إذن: ما أنتم بفاتني هؤلاء المعبودين على ربهم؛ لأنهم أخلصوا لله العبادة ويتنافسون في التقرُّب إليه.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.