مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{مَآ أَنتُمۡ عَلَيۡهِ بِفَٰتِنِينَ} (162)

ثم قال تعالى : { ما أنتم عليه } أي على ما تعبدون { بفاتنين } بباعثين أو حاملين على طريق الفتنة والإضلال

{ إلا من هو صال الجحيم } مثلكم . وقرأ الحسن { صال الجحيم } بضم اللام ووجهه أن يكون جمعا وسقوط واوه لالتقاء الساكنين ، فإنه قيل كيف يستقيم الجمع مع قوله : { من هو } قلنا { من } موحد اللفظ مجموع المعنى فحمل هو على لفظه والصالون على معناه .

المسألة الثانية : احتج أصحابنا بهذه الآية على أنه لا تأثير لإغواء الشيطان ووسوسته ، وإنما المؤثر قضاء الله تعالى وتقديره ، لأن قوله تعالى : { فإنكم وما تعبدون * ما أنتم عليه بفاتنين } تصريح بأنه لا تأثير لقولهم ولا تأثير لأحوال معبوديهم في وقوع الفتنة والضلال ، وقوله تعالى : { إلا من هو صال الجحيم } يعني إلا من كان كذلك في حكم الله وتقديره ، وذلك تصريح بأن المقتضي لوقوع هذه الحوادث حكم الله تعالى ، وكان عمر بن عبد العزيز يحتج بهذه الآية في إثبات هذا المطلوب ، قال الجبائي : المراد أن الذين عبدوا الملائكة يزعمون أنهم بنات الله لا يكفرون أحدا إلا من ثبت في معلوم الله أنه سيكفر ، فدل هذا على أن من ضل بدعاء الشيطان لم يكن ليؤمن بالله لو منع الله الشيطان من دعائه وإلا كان يمنع الشيطان ، فصح بهذا أن كل من يعصي لم يكن ليصلح عنه شيء من الأفعال والجواب : حاصل هذا الكلام أنه لا تأثير لإغواء شياطين الإنس والجن . وهذا لا نزاع فيه إلا أن وجه الاستدلال أنه تعالى بين أنه لا تأثير لكلامهم في وقوع الفتنة .