روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الحشر

قال البقاعي : وتسمى سورة بني النضير وأخرج البخاري وغيره عن ابن جبير قال : قلت لابن عباس سورة الحشر قال : قل : سورة بني النضير قال ابن حجر : كأنه كره تسميتها بالحشر لئلا يظن أن المراد به يوم القيامة وإنما المراد ههنا إخراج بني النضير . وهي مدنية وآيها أربع وعشرون بلا خلاف ومناسبتها لما قبلها أن في آخر تلك ( كتب الله لأغلبن أنا ورسلي ) وفي أول هذه ( فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب ) وفي آخر تلك ذكر من حاد الله ورسوله وفي أول هذه ذكر من شاق الله ورسوله وأن في الأولى ذكر المنافقين واليهود وتولي بعضهم بعضا وفي هذه ذكر ما حل باليهود وعدم إغناء تولي المنافقين إياهم شيئا فقد روي أن بني النضير كانوا قد صالحوا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على أن لا يكونوا عليه ولا له فلما ظهر يوم بدر قالوا : هو النبي الذي نعت في التوراة لا ترد له راية فلما هزم المسلمون يوم أحد ارتابوا ونكثوا فخرج كعب بن الأشرف في أربعين راكبا إلى مكة فحالفوا عليه قريشا عند الكعبة فأخبر جبريل عليه السلام الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم بذلك فأمر بقتل كعب فقتله محمد بن سلمة غيلة وهو عروس بعد أن أخذ بفود رأسه أخوه رضاعا أبو نائلة سلكان بن سلامة أحد بني عبد الأشهل وكان عليه الصلاة والسلام قد اطلع منهم على خيانة حين أتاهم يستعينهم في دية المسلمين من بني عامر اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري عند منصرفة من بئر معونة فهموا بطرح الحجر عليه صلى الله تعالى عليه وسلم فعصمه الله تعالى وبعد أن قتل كعب بأشهر على الصحيح لا على الأثر كما قيل : أمر صلى الله تعالى عليه وسلم بالتهيؤ لحربهم والسير إليهم وكان ذلك سنة أربع في شهر ربيع الأول وكانوا بقرية يقال لها : الزهرة فسار المسلمون معه عليه الصلاة والسلام وهو على حمار مخطوم بليف . وقيل : على جمل واستعمل على المدينة ابن مكتوم حتى إذا نزل صلى الله تعالى عليه وسلم بهم وجدهم ينوحون على كعب وقالوا : ذرنا نبكي شجونا ثم ائتمر أمرك فقال : اخرجوا من المدينة فقالوا : الموت أقرب لنا من ذلك فتنادوا بالحرب وقيل : استمهلوه عليه الصلاة والسلام عشرة أيام ليتجهزوا للخروج ودس المنافقون عبد الله بن أبي وأضرابه إليهم أن لا يخرجوا من الحصن فإن قاتلوكم فنحن معكم ولننصرنكم وإن أخرجتم لنخرجن معكم فدربوا على الأزقة وحصنوها ثم أجمعوا على الغدر برسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقالوا : أخرج في ثلاثين من أصحابك ويخرج منا ثلاثون ليسمعوا منك فإن صدقوك آمنا كلنا ففعل فقالوا : كيف نفهم ونحن ستون أخرج في ثلاثة ويخرج إليك ثلاثة من علمائنا ففعل عليه الصلاة والسلام فاشتملوا على الخناجر وأرادوا الفتك فأرسلت امرأة منهم ناصحة إلى أخيها وكان مسلما فأخبرته بما أرادوا فأسرع إلى الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم فساره بخبرهم قبل أن يصل إليهم فلما كان من الغد غدا عليهم بالكتائب فحاصرهم على ما قال ابن هشام في سيرته ست ليال وقيل : إحدى وعشرين ليلة فقذف الله تعالى في قلوبهم الرعب وأيسوا من نصر المنافقين فطلبوا الصلح فأبى عليه الصلاة والسلام عليهم إلا الجلاء على أن يحمل كل ثلاثة أبيات على بعير ما شاءوا من المتاع فجلوا إلى الشام إلى أريحا وأذرعات إلا أهل بيتين منهم آل سلام ابن أبي الحقيق وآل كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق وآل حيي بن أخطب فلحقوا بخيبر ولحقت طائفة بالحيرة وقبض النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أموالهم وسلاحهم فوجد خمسين درعا وخمسين بيضة وثلثمائة وأربعين سيفا وكان ابن أبيّ قد قال لهم : معنى ألفان من قومي وغيرهم أمدكم بها وتمدكم قريظة وحلفاؤكم من غطفان فلما نازلهم صلى الله تعالى عليه وسلم اعتزلتهم قريظة وخذلهم ابن أبي وحلفاؤهم من غطفان فأنزل الله تعالى قوله عز وجل : ( بسم الله الرحمن الرحيم سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم ( إلى قوله تعالى : ( والله على كل شيء قدير )

{ سَبَّحَ للَّهِ مَا في السماوات وَمَا فِي الأرض وَهُوَ العزيز الحكيم } إلى قوله تعالى : { والله على كُلّ شَيْء قَدِيرٌ } [ الحشر : 6 ] وتقدم الكلام على نظير هذه الجملة في صدر سورة الحديد ، وكرر الموصول ههنا لزيادة التقرير والتنبيه على استقلال كل من الفريقين بالتسبيح .

 
التفسير الميسر لمجموعة من العلماء - التفسير الميسر [إخفاء]  
{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (1)

{ سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ( 1 ) } .

مجّد الله تعالى ، ونزّهه عن كل ما لا يليق به كلُّ ما في السموات والأرض ، وهو العزيز الذي لا يغالَب ، الحكيم في قَدَره وتدبيره وصنعه وتشريعه ، يضع الأمور في مواضعها .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الحشر مدنية وآياتها أربع وعشرون .

قال سعيد بن جبير : قلت لابن عباس : سورة الحشر قال : قل سورة النضير .

قوله تعالى : { سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم } قال المفسرون : نزلت هذه السورة في بني النضير ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المدينة فصالحته بنو النضير على أن لا يقاتلوه ولا يقاتلوا معه ، فقبل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم ، فلما غزا النبي صلى الله عليه وسلم بدراً وظهر على المشركين قالت بنو النضير : والله إنه النبي الذي وجدنا نعته في التوراة لا ترد له راية ، فلما غزا أحداً وهزم المسلمون ارتابوا وأظهروا العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ، ونقضوا العهد الذي كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وركب كعب بن الأشرف في أربعين راكباً من اليهود إلى مكة فأتوا قريشاً فحالفوهم وعاقدوهم على أن تكون كلمتهم واحدة على محمد صلى الله عليه وسلم ، ودخل أبو سفيان في أربعين وكعب في أربعين من اليهود المسجد الحرام ، وأخذ بعضهم على بعض الميثاق بين الأستار والكعبة ، ثم رجع كعب وأصحابه إلى المدينة ، ونزل جبريل فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما تعاقد عليه كعب وأبو سفيان ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل كعب بن الأشرف فقتله محمد بن مسلمة -ذكرناه في سورة آل عمران . وكان النبي صلى الله عليه وسلم اطلع منهم على خيانة حين أتاهم يستعينهم في دية المسلمين اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري في منصرفه من بئر معونة ، فهموا بطرح حجر عليه من فوق الحصن ، فعصمه الله وأخبره بذلك -ذكرناه في سورة المائدة . فلما قتل كعب بن الأشرف أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر الناس بالمسير إلى بني النضير ، وكانوا بقرية يقال لها زهرة ، فلما سار إليهم النبي صلى الله عليه وسلم وجدهم ينوحون على كعب بن الأشرف ، فقالوا : يا محمد واعية على أثر واعية وباكية على أثر باكية ؟ قال : نعم ، قالوا : ذرنا نبكي شجوناً ثم ائتمرنا بأمرك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اخرجوا من المدينة ، فقالوا : الموت أقرب إلينا من ذلك ، فتنادوا بالحرب وآذنوا بالقتال ، ودس المنافقون -عبد الله بن أبي بن سلول وأصحابه- إليهم : أن لا تخرجوا من الحصن ، فإن قاتلوكم فنحن معكم ولا نخذلكم ولننصرنكم ، ولئن أخرجتم لنخرجن معكم . فدربوا على الأزقة وحصنوها ، ثم إنهم أجمعوا على الغدر برسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسلوا إليه : أن اخرج في ثلاثين رجلاً من أصحابك ، وليخرج منا ثلاثون حتى نلتقي بمكان بيننا وبينك ، فيستمعوا منك ، فإن صدقوك وآمنوا بك آمنا كلنا ، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثين من أصحابه وخرج إليه ثلاثون حبراً من اليهود حتى إذا كانوا في براز من الأرض قال بعض اليهود لبعض : كيف تخلصون إليه ومعه ثلاثون رجلاً من أصحابه كلهم يحب أن يموت قبله ؟ فأرسلوا إليه : كيف نفهم ونحن ستون رجلاً ؟ اخرج في ثلاثة من أصحابك ونخرج إليك في ثلاثة من علمائنا فيستمعوا منك ، فإن آمنوا بك آمنا كلنا بك وصدقناك ، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثة من أصحابه ، وخرج ثلاثة من اليهود ، واشتملوا على الخناجر وأرادوا الفتك برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأرسلت امرأة ناصحة من بني النضير إلى أخيها وهو رجل مسلم من الأنصار فأخبرته بما أراد بنو النضير من الغدر برسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل أخوها سريعاً حتى أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ، فساره بخبرهم قبل أن يصل النبي صلى الله عليه وسلم إليهم ، فرجع الرسول صلى الله عليه وسلم ، فلما كان الغد غدا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكتائب فحاصرهم إحدى وعشرين ليلة ، فقذف الله في قلوبهم الرعب وأيسوا من نصر المنافقين ، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلح ، فأبى عليهم إلا أن يخرجوا من المدينة على ما يأمرهم به النبي صلى الله عليه وسلم ، فقبلوا ذلك ، فصالحهم على الجلاء وعلى أن لهم ما أقلت الإبل من أموالهم إلا الحلقة وهي السلاح ، وعلى أن يخلوا لهم ديارهم وعقارهم وسائر أموالهم . وقال ابن عباس : على أن يحمل كل أهل ثلاثة أبيات على بعير ما شاؤوا من متاعهم ، ولنبي الله صلى الله عليه وسلم ما بقي . وقال الضحاك : أعطي كل ثلاثة نفر بعيراً وسقاة ففعلوا ذلك وخرجوا من المدينة إلى الشام إلى أذرعات وأريحاء إلا أهل بيتين منهم آل أبي الحقيق وآل حيي بن أخطب فإنهم لحقوا بخيبر ، ولحقت طائفة منهم بالحيرة .

فذلك قوله عز وجل : { هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب }