روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{فَٱسۡتَفۡتِهِمۡ أَلِرَبِّكَ ٱلۡبَنَاتُ وَلَهُمُ ٱلۡبَنُونَ} (149)

{ فاستفتهم أَلِرَبّكَ البنات وَلَهُمُ البنون } أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم في صدور السورة الكريمة بتبكيت قريش وإبطال مذهبهم في إنكار البعث بطريق الاستفتاء وساق البراهين الناطقة بتحققه لا محالة وبين وقوعه وما يلقونه عند ذلك من فنون العذاب واستثنى منهم عباده المخلصين وفصل سبحانه ما لهم من النعيم المقيم ، ثم ذكر سبحانه أنه قد ضل من قبلهم أكثر الأولين وأنه تعالى أرسل إلهيم منذرين على وجه الإجمال ، ثم أورد قصص بعض الأنبياء عليهم السلام بنوع تفصيل متضمناً كل منها ما يدل على فضلهم وعبوديتهم له عز وجل ، ثم أمره صلى الله عليه وسلم ههنا بتبكيتهم بطريق الاستفتاء عن وجه ما تنكره العقول بالكلية وهي القسمة الباطلة اللازمة لما كانوا عليه من الاعتقاد الزائغ حيث كانوا يقولون كبعض أجناس العرب جهينة . وسليم . وخزاعة . وبني مليح : الملائكة بنات الله سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً ، ثم بتبكيتهم بما يتضمنه كفرهم المذكور من الاستهانة بالملائكة عليهم السلام بجعلهم إناثاً ، ثم أبطل سبحانه أصل كفرهم المنطوي على هذين الكفرين وهو نسبة الولد إليه سبحانه وتعالى عن ذلك علواً كبيراً ، ولم ينظمه سبحانه في سلك التبكيت لمشاركتهم اليهود القائلين عزيز ابن الله والنصارى المعتقدين عيسى ابن الله تعالى الله عن ذلك ، والفاء قيل لترتيب الأمر على ما يعلم مما سبق من كون أولئك الرسل إعلام الخلق عليهم السلام عباده تعالى فإن ذلك مما يؤكد التبكيت ويظهر بطلان مذهبهم الفاسد فكأنه قيل : إذا كان رسل ربك من علمت حالهم فاستخبر هؤلاء الكفرة عن وجه كون البنات وهن أوضع الجنسين له تعالى بزعمهم والبنين الذين هم أرفعهما لهم فإنهم لا يستطيعون أن يثبتوا له وجهاً لأنه في غاية البطلان لا يقوله من له أدنى شيء من العقل ، وقال بعض الأجلة : الكلام متصل بقوله تعالى في أول السورة { فاستفتهم أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً } [ الصافات : 11 ] على أن الفاء هنا للعطف على ذاك ، والتعقيب لأنه أمر بهما من غير تراخ ، وهي هناك جزائية في جواب شرط مقدر ، وبهذا القول أقول . وأورد عليه أبو حيان أن فيه الفصل الطويل وقد استقبح النحاة الفصل بجملة نحو أكلت لحماً واضرب زيداً وخبزاً فما ظنك بالفصل بجمل بل بما يقرب من سورة . وأجيب بأن ما ذكر في عطف المفردات وأما الجمل فلاستقلالها يغتفر لها ذلك ، والكلام هنا لما تعانقت معانيه وارتبطت مبانيه وأخذ بعضها بحجز بعض حتى كأن الجميع كلمة واحدة لم يعد البعد بعداً كما قيل

. وليس يضير البعد بين جسومنا *** إذا كان ما بين القلوب قريباً

ووجه ترتب المعطوف على ما قبل كوجه ترتب المعطوف عليه فإن كونه تعالى رب السموات والأرض وتلك الخلائق العظيمة كما دل على وحدته تعالى وقدرته عز وجل دال على تنزهه سبحانه عن الولد ، ألا ترى إلى قوله جل شأنه :

{ بَدِيعُ * السموات والارض *أنى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ } [ الأنعام : 101 ] والمناسبة بين الرد على منكري البعث والرد على مثبتي الولد ظاهرة ، وقد اتحد في الجملتين السائل والمسؤول والأمر ؛ وجوز بعضهم كون ضمير { *استفتهم } للمذكورين من الرسل عليهم السلام والبواقي لقريش ، والمراد الاستفتاء ممن يعلم أخبارهم ممن يوثق بهم ومن كتبهم وصحفهم أي ما منهم أحد إلا وينزه الله تعالى عن أمثال ذلك حتى يونس عليه السلام في بطن الحوت ، ولعمري أن الرجل قد بلغ الغاية من التكلف من غير احتياج إليه ، ولعله لو استغنى عن ارتكاب التجوز بالتزام كون الاستفتاء من المرسلين المذكورين حيث يجتمع رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم اجتماعاً روحانياً كما يدعيه لنفسه الشيخ محيي الدين قدس سره مع غير واحد من الأنبياء عليهم السلام ويدعي أن الأمر بالسؤال المستدعي للاجتماع أيضاً في قوله تعالى : { وَاسْئلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرحمن ءالِهَةً يُعْبَدُونَ } [ الزخرف : 45 ] على هذا النمط لكان الأمر أهون وإن كان ذلك منزعاً صوفياً .

وأضيف الرب إلى ضميره عليه الصلاة والسلام دون ضميرهم تشريفاً لنبيه صلى الله عليه وسلم وإشارة إلى أنهم في قولهم بالبنات له عز وجل كالنافين لربوبيته سبحانه لهم

[ بم وقوله سبحانه :

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَٱسۡتَفۡتِهِمۡ أَلِرَبِّكَ ٱلۡبَنَاتُ وَلَهُمُ ٱلۡبَنُونَ} (149)

يقول تعالى لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم : { فَاسْتَفْتِهِمْ } أي : اسأل المشركين باللّه غيره ، الذين عبدوا الملائكة ، وزعموا أنها بنات اللّه ، فجمعوا بين الشرك باللّه ، ووصفه بما لا يليق بجلاله ، { أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ } أي : هذه قسمة ضيزى ، وقول جائر ، من جهة جعلهم الولد للّه تعالى ، ومن جهة جعلهم أردأ القسمين وأخسهما له وهو البنات التي لا يرضونهن لأنفسهم ، كما قال في الآية الأخرى { وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ } ومن جهة جعلهم الملائكة بنات اللّه ، وحكمهم بذلك .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَٱسۡتَفۡتِهِمۡ أَلِرَبِّكَ ٱلۡبَنَاتُ وَلَهُمُ ٱلۡبَنُونَ} (149)

قوله تعالى : { فاستفتهم } فاسأل يا محمد أهل مكة وهو سؤال توبيخ ، { ألربك البنات ولهم البنون } ؟ وذلك أن جهينة وبني سلمة بن عبد الدار زعموا أن الملائكة بنات الله ، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا ، يقول : جعلوا لله البنات ولأنفسهم البنين .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{فَٱسۡتَفۡتِهِمۡ أَلِرَبِّكَ ٱلۡبَنَاتُ وَلَهُمُ ٱلۡبَنُونَ} (149)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{فاستفتهم}: يقول للنبي صلى الله عليه وسلم فاسأل كفار مكة منهم النضر بن الحارث.

{ألربك البنات} يعني الملائكة.

{ولهم البنون} فسألهم النبي صلى الله عليه وسلم في الطور والنجم.

وذلك أن جهينة، وبنى سلمة عبدوا الملائكة...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله: {فاسْتَفْتِهِمْ}: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: سل يا محمد مشركي قومك من قريش...

وقوله: {ألِرَبّكَ البَناتُ وَلَهُمُ البَنُونَ}: ذكر أن مشركي قريش كانوا يقولون: الملائكة بنات الله، وكانوا يعبدونها، فقال الله لنبيه محمد عليه الصلاة والسلام: سلهم، وقل لهم: ألربي البنات ولكم البنون؟

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

الاستفتاء والسؤال يخرّج على أربعة أوجه: إن كان الاستفتاء والسؤال من عليم خبير لأهل الجهل فيكون تقريرا وتنبيها إذا لم يكونوا أهل عناد، وإن كانوا أهل عناد فهو تسفيه وتوبيخ، وإذا كان الاستفتاء من جاهل مصدّق طالب رشدا لعليم خبير يكون استرشادا وطلبا للصواب، وإذا كان من معاند مكابر فهو يخرّج على الاستهزاء به كقولهم: {فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم} [الأنفال: 32] إنما قالواذلك استهزاء به.

ثم ما ذكر من الاستفتاء لهؤلاء إنما يكون تسفيها منه لهم في قولهم: لله عز وجل ولد والملائكة بنات الله سبحانه، ونحوه من الفرية العظيمة التي لا فرية أعظم منها ولا كذِب أكبر منه؛ لأن درك الأشياء ومعرفتها إنما يكون في الشاهد بأحد وجوه ثلاثة: أحدها المشاهدة، والثاني الخبر، والثالث: الاستدلال بما شاهدوا وعاينوا، على ما غاب عنهم.

ثم معلوم عندهم أي عند هؤلاء أنهم لم يشاهدوا الله حتى عرفوا الولد، ولا كانوا يؤمنون بالرسل حتى يكون عندهم الخبر بما قالوا ونسبوا إليه من الولد وغيره، إذ الخبر إنما يوصل إليهم بالرسل، وهم لا يؤمنون بهم، ولا كانوا شاهدوا ما يستدلّون به على ما قالوا فيه ونسبوا إليه، حتى يدُلّهم ذلك على ذلك، فسفّههم في قولهم الذي قالوا فيه وما نسبوا إليه.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

إنهم كانوا يستنكفون من البنات، ويُؤْثِرون البنين عليهن.. ومع كُفرهم وقبيح قولِهم وصفوا القديمَ -سبحانه- بما استنكفوا منه لأَنْفُسهم...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{فاستفتهم}: معطوف على مثله في أوّل السورة، وإن تباعدت بينهما المسافة: أمر رسوله باستفتاء قريش عن وجه إنكار البعث أوّلاً، ثم ساق الكلام موصولاً بعضه ببعض، ثم أمره باستفتائهم عن وجه القسمة الضيزى التي قسموها، حيث جعلوا لله الإناث ولأنفسهم الذكور، ولقد ارتكبوا في ذلك ثلاثة أنواع من الكفر:

أحدها: التجسيم؛ لأن الولادة مختصة بالأجسام.

والثاني: تفضيل أنفسهم على ربهم حين جعلوا أوضع الجنسين له وأرفعهما لهم، كما قال: {وَإِذَا بُشّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ للرحمن مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ} [الزخرف: 17]

والثالث: أنهم استهانوا بأكرم خلق الله عليه وأقربهم إليه، حيث أنثوهم ولو قيل لأقلهم وأدناهم: فيك أنوثة، أو شكلك شكل النساء، للبس لقائله جلد النمر.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

اعلم أنه تعالى لما ذكر أقاصيص الأنبياء عليهم السلام عاد إلى شرح مذاهب المشركين وبيان قبحها وسخافتها، ومن جملة أقوالهم الباطلة أنهم أثبتوا الأولاد لله سبحانه وتعالى، ثم زعموا أنها من جنس الإناث لا من جنس الذكور.

اعلم أنه تعالى لما طالبهم بما يدل على صحة مذهبهم دل ذلك على أن التقليد باطل، وأن الدين لا يصح إلا بالدليل.

البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :

بدأ أولاً بتوبيخهم على تفضيل أنفسهم بقوله: {ألربك البنات}، وعدل عن قوله: {ألربكم}، لما في ترك الإضافة إليهم من تحسينهم، وشرف نبيه بالإضافة إليه.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما كان الذي سبق ادعاؤه أمرين أحدهما أن هؤلاء المنذرين يسارعون في اقتفاء آثار آبائهم في الضلال، والثاني أن أكثر الأولين ضلوا، وسيقت دليلاً شهودياً على الثاني هذه القصص الست التي ما اهتدى من أهلها أمة بكمالها إلا قوم يونس عليه السلام، كان ذلك سبباً للأمر بإقامة الدليل على ضلال هؤلاء تبعاً لآبائهم بأمر ليس في بيان الضلال أوضح منه، فقال متهكماً بهم مخصصاً الأمر به صلى الله عليه وسلم إشارة إلى عظم هذه النتيجة، وأنه لا يفهمها حق فهمها سواه صلى الله عليه وسلم: {فاستفتهم}.

ويلزم من هذا الاستفتاء تنزيههم وتنزيه الذي خلقهم وذلك مقصود السورة، ولفت الكلام عن مظهر العظمة إلى ما هو دليل عليها؛ فإن الرسول دال على قدر من أرسله فقال: {ألربك} أي خاصة وهو الملك الأعلى الذي رباك وأحسن إليك بهدايتك والهداية بك وغير ذلك من أمرك حتى كنت أكمل الخلق وأعلاهم في كل أمر يكون به الكمال والقرب من الله فاصطفاك لرسالته، ففي إفراد الضمير إشارة إلى أنه لا يختار إلا الأكمل الأشرف الأفضل.

ولما كان المراد تبكيتهم بكونهم جعلوا الأخس لله، وكانت الإناث أضعف من الذكور، ولكنها قد تطلق الأنوثة على غير الحيوان، وكانت الإناث في بعض الأجناس كالأسحار أشرف، عدل عن التعبير بالإناث وعبر بما ينص على المراد فقال: {البنات}.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

إنه يحاصر أسطورتهم في كل مساربها؛ ويحاجهم بمنطقهم ومنطق بيئتهم التي يعيشون فيها، وهم كانوا يؤثرون البنين على البنات! فهو هنا يستطرد معهم وفق منطقهم، ويأخذهم به ليروا مدى تهافت الأسطورة وسخفها حتى بمقاييسهم الشائعة.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

ضمير الغيبة من قوله: {فاستفتهم} عائد على غير مذكور يُعلَم من المقام...

جملة {ألِرَبك البنَاتُ} بيان لجملة {فاستفتهم}، وضمير {لربك} مخاطب به النبي صلى الله عليه وسلم وهو حكاية للاستفتاء بالمعنى لأنه إذا استفتاهم يقول: ألربكم البنات، وكذلك ضمير {ولهم} محكي بالمعنى لأنه إنما يقول لهم: ولكم البنون...