البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{فَٱسۡتَفۡتِهِمۡ أَلِرَبِّكَ ٱلۡبَنَاتُ وَلَهُمُ ٱلۡبَنُونَ} (149)

والضمير في { فاستفتهم } ، قال الزمخشري : معطوف على مثله في أول السورة ، وإن تباعدت بينهما المسافة .

أمر رسوله باستفتاء قريش عن وجه إنكار البعث أولاً ، ثم ساق الكلام موصولاً بعضه ببعض ، ثم أمر باستفتائهم عن وجه القسمة الضيزى . انتهى .

ويبعد ما قاله من العطف .

وإذا كانوا عدوا الفصل بجملة مثل قولك : كل لحماً واضرب زيداً وخبزاً ، من أقبح التركيب ، فكيف بجمل كثيرة وقصص متباينة ؟ فالقول بالعطف لا يجوز ، والاستفتاء هنا سؤال على جهة التوبيخ والتقريع على قولهم البهتان على الله ، حيث جعلوا لله الإناث في قولهم : الملائكة بنات الله ، مع كراهتهم لهن ، ووأدهم إياهن ، واستنكافهم من ذكرهن .

وارتكبوا ثلاثة أنواع من الكفر : التجسيم ، لأن الولادة مختصة بالأجسام ؛ وتفضيل أنفسهم ، حيث نسبوا أرفع الجنسين لهم وغيره لله تعالى ؛ واستهانتهم بمن هو مكرم عند الله ، حيث أنثوهم ، وهم الملائكة .

بدأ أولاً بتوبيخهم على تفضيل أنفسهم بقوله : { ألربك البنات } ، وعدل عن قوله : { ألربكم } ، لما في ترك الإضافة إليهم من تحسينهم وشرف نبيه بالإضافة إليه .