تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{فَٱسۡتَفۡتِهِمۡ أَلِرَبِّكَ ٱلۡبَنَاتُ وَلَهُمُ ٱلۡبَنُونَ} (149)

قوله تعالى : { فاستفتهم ألِربك البنات ولهم البنون } : الاستفتاء والسؤال يخرّج على أربعة أوجه : إن كان الاستفتاء والسؤال من عليم خبير لأهل الجهل فيكون تقريرا وتنبيها ، إذا لم يكونوا أهل عناد ، وإن كانوا أهل عناد فهو تسفيه وتوبيخ ، وإذا كان الاستفتاء من جاهل مصدّق طالب رشدا لعليم خبير يكون استرشادا وطلبا للصواب ، وإذا كان من معاند مكابر فهو يخرّج على الاستهزاء به كقولهم : { فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم } [ الأنفال : 32 ] إنما قالواذلك استهزاء به .

ثم ما ذكر من الاستفتاء لهؤلاء إنما يكون تسفيها منه لهم في قولهم : لله عز وجل ولد ، والملائكة بنات الله ، سبحانه ، ونحوه من الفرية العظيمة التي لا فرية أعظم منها ، ولا كذِب أكبر منه ، لأن درك الأشياء ومعرفتها إنما يكون في الشاهد بأحد وجوه ثلاثة : أحدها المشاهدة ، والثاني الخبر ، والثالث : الاستدلال بما شاهدوا ، وعاينوا ، على ما غاب عنهم .

ثم معلوم عندهم أي عند هؤلاء أنهم لم يشاهدوا الله حتى عرفوا الولد ، ولا كانوا يؤمنون بالرسل حتى يكون عندهم الخبر بما قالوا ، ونسبوا إليه من الولد وغيره ، إذ الخبر إنما يوصل إليهم بالرسل ، وهم لا يؤمنون بهم ، ولا كانوا شاهدوا ما يستدلّون به على ما قالوا فيه ، ونسبوا إليه ، حتى يدُلّهم ذلك على ذلك .

فسفّههم في قولهم الذي قالوا فيه وما نسبوا إليه أنهم كذبة في ذلك ، إذ أسباب العلم بالأشياء ما ذكرنا ، ولم يكن لهم شيء من ذلك .