الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{فَٱسۡتَفۡتِهِمۡ أَلِرَبِّكَ ٱلۡبَنَاتُ وَلَهُمُ ٱلۡبَنُونَ} (149)

{ فاستفتهم } : معطوف على مثله في أوّل السورة ، وإن تباعدت بينهما المسافة : أمر رسوله باستفتاء قريش عن وجه إنكار البعث أوّلاً ، ثم ساق الكلام موصولاً بعضه ببعض ، ثم أمره باستفتائهم عن وجه القسمة الضيزى التي قسموها ، حيث جعلوا لله الإناث ولأنفسهم الذكور في قولهم : الملائكة بنات الله ، مع كراهتهم الشديدة لهنّ ، ووأدهم ، واستنكافهم من ذكرهنّ . ولقد ارتكبوا في ذلك ثلاثة أنواع من الكفر ، أحدها : التجسيم ، لأن الولادة مختصة بالأجسام والثاني : تفضيل أنفسهم على ربهم حين جعلوا أوضع الجنسين له وأرفعهما لهم ، كما قال : { وَإِذَا بُشّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ للرحمن مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ } [ الزخرف : 17 ] ، { أَوْ مِن يُنَشَّأُ فِى الحلية وَهُوَ فِى الخصام غَيْرُ مُبِينٍ } [ الزخرف : 18 ] والثالث : أنهم استهانوا بأكرم خلق الله عليه وأقربهم إليه ، حيث أنثوهم ولو قيل لأقلهم وأدناهم : فيك أنوثة ، أو شكلك شكل النساء ، للبس لقائله جلد النمر ، ولانقلبت حماليقه وذلك في أهاجيهم بين مكشوف ، فكرّر الله سبحانه الأنواع كلها في كتابه مرّات ودلّ على فظاعتها في آيات : { وَقَالُواْ اتخذ الرحمن وَلَداً لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً } [ مريم : 88 - 89 ] ، { وَقَالُواْ اتخذ الرحمن وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ } [ الأنبياء : 26 ] ، { وَقَالُواْ اتخذ الله وَلَدًا سبحانه بَل لَّهُ مَا فِي السموات والأرض } [ البقرة : 116 ] ، { بَدِيعُ السموات والأرض أنى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ } [ الأنعام : 101 ] ، { ألا إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ وَلَدَ الله } [ الصافات : 151-152 ] ، { وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءا } [ الزخرف : 15 ] ، { وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ بَنَاتٍ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَّا يَشْتَهُونَ } [ النحل : 57 ] ، { أَمْ لَهُ البنات وَلَكُمُ البنون } [ الطور : 39 ] ، { وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ } [ النحل : 62 ] ، { أَصْطَفَى البنات على البنين } [ الصافات : 153 ] ، { أَمِ اتخذ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وأصفاكم بالبنين } [ الزخرف : 16 ] ، { وَجَعَلُواْ الملئكة الذين هُمْ عِبَادُ الرحمن إناثا } [ الزخرف : 19 ] .