التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{فَٱسۡتَفۡتِهِمۡ أَلِرَبِّكَ ٱلۡبَنَاتُ وَلَهُمُ ٱلۡبَنُونَ} (149)

في الآيات أمر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بسؤال المشركين مستفتيا مبكتا عما إذا كان يصح أن يكون لله البنات ولهم البنون ، وعما إذا كانوا حاضرين حينما خلق الله الملائكة فرأوا أنه خلقهم إناثا كما يزعمون . وتنبيه إلى ما في زعمهم من اتخاذ الله أولادا من كذب . وتسفيه في صيغة الأسئلة الإنكارية لزعمهم أن الأولاد الذين اتخذهم واصطفاهم بنات وليسوا بنين ، وخروجهم في زعمهم وحكمهم عن نطاق المنطق والعقل وتحد لهم بإظهار ما عندهم من بينة أو كتاب على صحة زعمهم إن كانوا صادقين فيه .

وفي الآيات التفات خطابي إلى المشركين الذين كانوا موضوع الحديث قبل سلسلة القصص حيث استؤنف فيها موقف المناظرة والجدل الذي حكته آيات السورة الأولى والتحم السياق بين أولها وآخرها . وبذلك تكون الآيات التي جاءت بين الآيات الأولى من السورة وهذه والتي احتوت بيان مصير الكفار والمخلصين وقصص بعض الأنبياء وأقوامهم قد جاءت من قبيل الاستطراد والاستشهاد والتذكير .

وقد تكرر هذا في سور عديدة بحيث يصح أن يقال : إنه من أساليب النظم القرآني .

تعليق على انصباب التنديد بالمشركين على زعم اتخاذ الله بنات دون البنين ، وقد يبدو لأول وهلة أن آيات الاستنكار مصبوبة بقوة أكثر على نسبة البنات له تعالى دون البنين من قبل المشركين ، وعلى تقرير كون البنين هم المفضلين على البنات . وهذا ما يبدو في مناسبات أخرى ذكرت فيها عقيدة المشركين بأن الملائكة بنات الله وقد مر مثال ذلك في سورة النجم .

والحقيقة أن هذا هو من قبيل المساجلة والجدل كما تلهم روح الآيات القرآنية وصيغتها . فالتكذيب القرآني لأساس الفكرة أي لاتخاذ الله أولادا قاطع وحاسم . غير أن العرب لما كانوا يكرهون ولادة البنات على ما حكته عنهم آيات عديدة في سياق مجادلة المشركين في هذه العقيدة وتسفيه عقولهم منها آيات سورة النحل هذه : { ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون ( 57 ) وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم ( 58 ) يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون ( 59 ) للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم ( 60 ) } سلكت الآيات سبيل التأنيث في مساجلتهم تسفيها لعقولهم وسخرية من تناقضهم إذ يفضلون الذكر ويسيغون أن يكون لله غير المفضل .

وقد علقنا بما فيه الكفاية على عقيدة الكفار في الملائكة وكونهم بنات الله وعبادتهم لهم ليكونوا شفعاء لديه في سياق سورة النجم فلا نرى ضرورة للإعادة . غير أننا ننبه إلى أن مضمون الآيات هنا يلهم أن العرب المشركين كانوا يرون أنهم على حق في عقيدتهم هذه وكانوا يجادلون عنها بقوة وعناد ، فتحدتهم الآيات بقوة مماثلة وشددت عليهم بالتسفيه والسخرية .