اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَٱسۡتَفۡتِهِمۡ أَلِرَبِّكَ ٱلۡبَنَاتُ وَلَهُمُ ٱلۡبَنُونَ} (149)

قوله : { فاستفتهم } : قال الزمخشري : معطوف على مثله في أول السورة وإن تباعدت . قال أبو حيان : وإذا كان قد عدوا الفَصْلَ بنحو : كُلْ لَحْماً واضْرِبْ زيداً أو خبزاً من أقبح التَّراكيب ، فكيف بجمل كثيرة وقصص متباينة ؟ قال شهاب الدين : ولِقَائل أن يقول : إن الفصل وإن كَثر بين الجمل المتعاطفة مغتفر ، وأما المثال الذي ذكره فمن قبيل المفردات ، ألا ترى كيف عطفت خبزا على لحما ، فعلى الأول أنه تعالى لما ذكر أقاصيص الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام - عاد إلى شرح مذاهب المشركين وبيان قبحها ومن جملة أقوالهم الباطلة أنهم أثبتوا الأولاد لله تعالى ثم زعموا أنها من جنس الإناث لا من جنس الذكور فقال «فاسْتَفْتِهِمْ » باستفتاء قريش عن وجه الإنكار للبعث أولاً ثم ساق الكلام موصولاً بعضه ببعض إلى أن أمرهم بأن يستفتيهم في أنهم لم أثبتوا لله سبحانه البنات ولهم البنين ؟

ونقل الوَاحِدِيُّ عن المفسرين أنهم قالوا : إنَّ قريشاً وأجناس العرب جهينة وبني سلمة وخزاعة وبني مليح ، قالوا الملائكة بنات الله ، وهذا الكلام يشتمل على أمرين :

أحدهما : إثبات البنات لله وذلك باطل لأن العرب كانوا يستنكفون من البنت والشيء الذي يستنكف منه المخلوق كيف يمكن إثباته للخالق ؟

والثاني : إثبات أن الملائكة إناثٌ ، وهذا أيضاً باطل لأن طريق العلم إما الحِسُّ وإما الخبر وإما النظر أما الحِسُّ فمفقود لأنهم لم يشاهدوا كيف خلق الله الملائكة وهو المراد من قوله : { أَمْ خَلَقْنَا الملائكة إِنَاثاً وَهُمْ شَاهِدُونَ } . وأما الخبر فمفقود أيضاً لأن الخبر إنما يفيد العلم إذا علم كونه صدقاً قطعاً .