روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{لِتُنذِرَ قَوۡمٗا مَّآ أُنذِرَ ءَابَآؤُهُمۡ فَهُمۡ غَٰفِلُونَ} (6)

{ لّتُنذِرَ } متعلق بتنزيل أو بفعله المضمر على الوجه الثاني في إعرابه أي نزل تنزيل العزيز الرحيم لتنذر به أو بما يدل عليه { لَمِنَ المرسلين } [ يس : 3 ] أي أرسلت أو إنك مرسل لتنذر { قَوْماً مَّا أُنذِرَ ءابَاؤُهُمْ } أي لم تنذر آباؤهم على ما روي عن قتادة فما نافية والجملة صفة { قَوْماً } مبينة لغاية احتياجهم إلى الإنذار ، والمراد بالإنذار الإعلام أو التخويف ومفعوله الثاني محذوف أي عذاباً لقوله تعالى : { إِنَّا أنذرناكم عَذَاباً قَرِيباً } [ النبأ : 0 4 ] والمراد بآبائهم آباؤهم الأدنون وإلا فالأبعدون قد أنذرهم إسماعيل عليه السلام وبلغهم شريعة إبراهيم عليه السلام .

وقد كان منهم من تمسك بشرعه على أتم وجه ثم تراخى الأمر وتطاول المدد فلم يبق من شريعته عليه السلام إلا الاسم . وفي «البحر » الدعاء إلى الله تعالى لم ينقطع عن كل أمة أما بمباشرة من أنبيائهم وأما بنقل إلى وقت بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم والآيات التي تدل على أن قريشاً ما جاءهم نذير معناها لم يباشرهم ولا آباءهم القريبين . وأما أن النذارة انقطعت فلا ، ولما شرعت آثارها تندرس بعث النبي صلى الله عليه وسلم وما ذكره المتكلمون من حال أهل الفترات فهو على حسب الفرض اه .

وعليه فالمعنى ما أنذر آباءهم رسول أي لم يباشرهم بالإنذار لا أنه لم ينذرهم منذر أصلاً فيجوز أن يكون قد أنذرهم من ليس بنبي كزيد بن عمرو بن نفيل . وقس بن ساعدة فلا منافاة بين ما هنا وقوله تعالى : { وَإِن مّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ } [ فاطر : 4 2 ] وليس في ذلك إنكار الفترة المذكورة في قوله تعالى : { على فَتْرَةٍ مَّنَ الرسل } [ المائدة : 19 ] لأنها فترة إرسال وانقطاعها زماناً لا فترة إنذار مطلقاً ، وعن عكرمة { مَا } بمعنى الذي ، وجوز أن تكون موصوفة وهي على الوجهين مفعول ثان لتنذر أي لتنذر قوماً الذي أنذره أو شيئاً أنذره الرسل آباءهم الأبعدين ، وقال ابن عطية : يحتمل أن تكون ما مصدرية فتكون نعتاً لمصدر مؤكد أي لتنذر قوما إنذاراً مثل إنذار الرسل آباءهم الأبعدين ، وقيل هي زائدة وليس بشيء { فَهُمْ غافلون } هو على الوجه الأول متفرع على نفي الإنذار ومتسبب عنه والضمير للفريقين أي لم ينذر آباؤهم فهم جميعاً لأجل ذلك غافلون ، وعلى الأوجه الباقية متعلق بقوله تعالى : { لّتُنذِرَ } أو بما يفيده { إِنَّكَ لَمِنَ المرسلين } وارد لتعليل إنذاره عليه الصلاة والسلام أو إرساله بغفلتهم المحوجة إليه نحو اسقه فإنه عطشان على أن الضمير للقوم خاصة فالمعنى فهم غافلون عنه أي عما أنذر آباؤهم .

وقال الخفاجي : يجوز تعلقه بهذا على الأول أيضاً وتعلقه بقوله تعالى : { لّتُنذِرَ } على الوجوه وجعل الفاء تعليلية والضمير لهم أو لآبائهم اه ، ولا يخفى عليك أن المنساق إلى الذهن ما قرر أولاً .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{لِتُنذِرَ قَوۡمٗا مَّآ أُنذِرَ ءَابَآؤُهُمۡ فَهُمۡ غَٰفِلُونَ} (6)

فلما أقسم تعالى على رسالته وأقام الأدلة عليها ، ذكر شدة الحاجة إليها واقتضاء الضرورة لها فقال : { لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ } وهم العرب الأميون ، الذين لم يزالوا خالين من الكتب ، عادمين الرسل ، قد عمتهم الجهالة ، وغمرتهم الضلالة ، وأضحكوا عليهم وعلى سفههم عقول العالمين ، فأرسل اللّه إليهم رسولا من أنفسهم ، يزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ، وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ، فينذر العرب الأميين ، ومن لحق بهم من كل أمي ، ويذكر أهل الكتب بما عندهم من الكتب ، فنعمة اللّه به على العرب خصوصا ، وعلى غيرهم عموما .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{لِتُنذِرَ قَوۡمٗا مَّآ أُنذِرَ ءَابَآؤُهُمۡ فَهُمۡ غَٰفِلُونَ} (6)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{لتنذر قوما} بما في القرآن من الوعيد.

{ما أنذر آباؤهم} الأولون {فهم غافلون}...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

اختلف أهل التأويل في تأويل قوله:"لِتُنْذِرَ قَوْما ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ"؛

فقال بعضهم: معناه: لتنذر قوما ما أنذر الله من قبلهم من آبائهم... عن عكرمة في هذه الآية: "لِتُنْذِرَ قَوْما ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ "قال: قد أنذروا.

وقال آخرون: بل معنى ذلك لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم... وقال بعضهم: لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم: أي هذه الأمة لم يأتهم نذير، حتى جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم.

واختلف أهل العربية في معنى «ما» التي في قوله: "ما أُنْذرَ آباؤُهُمْ" إذا وُجّه معنى الكلام إلى أن آباءهم قد كانوا أنذروا، ولم يُرد بها الجحد، فقال بعض نحويّي البصرة: معنى ذلك: إذا أريد به غير الجحد لتنذرهم الذي أُنذر آباؤهم فَهُمْ غافِلُونَ. وقال: فدخول الفاء في هذا المعنى لا يجوز، والله أعلم. قال: وهو على الجحد أحسن، فيكون معنى الكلام: إنك لمن المرسلين إلى قوم لم ينذر آباؤهم، لأنهم كانوا في الفترة.

وقال بعض نحويّي الكوفة: إذا لم يرد ب "ما" الجحد، فإن معنى الكلام: لتنذرهم بما أنذر آباؤهم...

"فَهُمْ غافِلُونَ" يقول: فهم غافلون عما الله فاعل: بأعدائه المشركين به، من إحلال نقمته، وسطوته بهم.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

اختلف فيه: قال بعضهم: لتنذر قوما مثل الذي أنذر آباؤهم من الآيات التي أقامها، فلم يقبلوها {فهم غافلون} أميّون.

وقال بعضهم: {لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم} أي لتنذر قوما أمّيّين، لم يُنذر آباؤهم، يقول قائل: لم تكن النذارة للأمّيين من قبل، كأنه يقول: لتُنذر قوما أمّيّين، لم يُنذر آباؤهم الأمّيّون من قبل...

وأصله أنه يخبر أنه لا تنجع في هؤلاء النذارة كما لم تنجع في آبائهم. بل هم غافلون.

ثم الإنذار يحتمل أن يكون بالنار في الآخرة والتعذيب بها، ويحتمل بالآيات التي أقامها في الدنيا والقتل فيها، والله أعلم.

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

{لِّتُنذِرَ قَوْماً مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ} فيه وجهان: أحدهما: أنهم قريش أنذروا بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم ولم ينذر آباؤهم من قبلهم، قاله قتادة.

الثاني: أنه عام ومعناه لتنذر قوماً كما أنذر آباؤهم، قاله السدي.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

فيه مسائل:

المسألة الأولى: كيف يفهم التفسيران وأحدهما يقتضي أن لا يكون آباؤهم منذرين والآخر يقتضي أن يكونوا منذرين وبينهما تضاد؟ نقول على قولنا ما نافية معناه: ما أنذر آباؤهم، وإنذار آبائهم الأولين لا ينافي أن يكون المتقدمون من آبائهم منذرين والمتأخرون منهم غير منذرين.

المسألة الثانية: قوله: {لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم} يقتضي أن لا يكون النبي صلى الله عليه وسلم مأمورا بإنذار اليهود؛ لأن آباءهم أنذروا، نقول ليس كذلك، أما على قولنا ما للإثبات لا للنفي فظاهر، وأما على قولنا هي نافية فكذلك، وقد بينا ذلك في قوله تعالى: {بل هو الحق من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك} وقلنا إن المراد أن آباءهم قد أنذروا بعد ضلالهم وبعد إرسال من تقدم فإن الله إذا أرسل رسولا فما دام في القوم من يبين دين ذلك النبي ويأمر به لا يرسل الرسول في أكثر الأمر، فإذا لم يبق فيهم من يبين ويضل الكل ويتباعد العهد ويفشو الكفر يبعث رسولا آخر مقررا لدين من كان قبله أو واضعا لشرع آخر، فمعنى قوله تعالى: {لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم} أي ما أنذروا بعد ما ضلوا عن طريق الرسول المتقدم واليهود والنصارى دخلوا فيه؛ لأنهم لم تنذر آباؤهم الأدنون بعد ما ضلوا، فهذا دليل على كون النبي صلى الله عليه وسلم مبعوثا بالحق إلى الخلق كافة.

المسألة الثالثة: قوله: {فهم غافلون} دليل على أن البعثة لا تكون إلا عند الغفلة، أما إن حصل لهم العلم بما أنزل الله بأن يكون منهم من يبلغهم شريعة ويخالفونه فحق عليهم الهلاك، ولا يكون ذلك تعذيبا من قبل أن يبعث الله رسولا، وكذلك من خالف الأمور التي لا تفتقر إلى بيان الرسل يستحق الإهلاك من غير بعثة، وليس هذا قولا بمذهب المعتزلة من التحسين والتقبيح العقلي؛ بل معناه أن الله تعالى لو خلق في قوم علما بوجوب الأشياء وتركوه لا يكونون غافلين فلا يتوقف تعذيبهم على بعثة الرسل.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما ذكر المرسَل والمرسَل به والمرسِل؛ ذكر المرسَل له فقال: {لتنذر قوماً} أي ذوي بأس وقوة وذكاء وفطنة.

{ما أنذر} أي لم ينذر أصلاً.

{آباؤهم} أي الذين غيروا دين أعظم آبائهم إبراهيم عليه السلام، ومن أتى بعدهم عند فترة الرسل.

ولما كان عدم الإنذار موجباً لاستيلاء الحظوظ والشهوات على العقل فيحصل عن ذلك الغفلة عن طريق النجاة قال: {فهم} أي بسبب زمان الفترة.

{غافلون} أو المعنى على ان "ما "مفعول ثان لتنذر: أي لتنذرهم الذي أنذره آباؤهم الذين كانوا قبل التغيير، فإن هؤلاء غافلون عن ذلك لطول الزمان وحدوث النسيان.

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

لما أقسم تعالى على رسالته وأقام الأدلة عليها، ذكر شدة الحاجة إليها واقتضاء الضرورة لها فقال: {لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ} وهم العرب الأميون، الذين لم يزالوا خالين من الكتب، عادمين الرسل، قد عمتهم الجهالة، وغمرتهم الضلالة، وأضحكوا عليهم وعلى سفههم عقول العالمين، فأرسل اللّه إليهم رسولا من أنفسهم، يزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين، فينذر العرب الأميين، ومن لحق بهم من كل أمي، ويذكر أهل الكتب بما عندهم من الكتب، فنعمة اللّه به على العرب خصوصا، وعلى غيرهم عموما.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

الغفلة أشد ما يفسد القلوب. فالقلب الغافل قلب معطل عن وظيفته. معطل عن الالتقاط والتأثر والاستجابة. تمر به دلائل الهدى أو يمر بها دون أن يحسها أو يدركها. ودون أن ينبض أو يستقبل. ومن ثم كان الإنذار هو أليق شيء بالغفلة التي كان فيها القوم، الذين مضت الأجيال دون أن ينذرهم منذر، أو ينبههم منبه. فهم من ذرية إسماعيل ولم يكن لهم بعده من رسول. فالإنذار قد يوقظ الغافلين المستغرقين في الغفلة، الذين لم يأتهم ولم يأت آباءهم نذير.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

اقتصر على الإِنذار لأن أول ما ابتدئ به القومُ من التبليغ إنذارهم جميعاً بما تضمنته أول سورة نزلت من قوله: {كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى} [العلق: 6، 7] الآية. وما تضمنته سورة المدثر؛ لأن القوم جميعاً كانوا على حالة لا ترضي الله تعالى فكان حالهم يقتضي الإِنذار ليسرعوا إلى الإِقلاع عما هم فيه مرتبكون.

والقوم الموصوفون بأنهم لم تنذر آباؤهم: إما العرب العدنانيون فإنهم مضت قرون لم يأتهم فيها نذير، ومضى آباؤهم لم يسمعوا نذيراً، وإنما يُبتدأ عدُّ آبائهم من جدّهم الأعلى في عمود نسبهم الذين تميزوا به جذماً وهو عدنان؛ لأنه جذم العرب المستعربة أو أريد أهل مكة.

وإنما باشر النبي صلى الله عليه وسلم في ابتداء بعثته دعوة أهل مكة وما حولها فكانوا هم الذين أراد الله أن يتلقّوا الدين وأن تتأصل منهم جامعة الإِسلام، ثم كانوا هم حملة الشريعة وأعوان الرسول صلى الله عليه وسلم في تبليغ دعوته وتأييده. فانضمّ إليهم أهل يثرب وهم قحطانيون فكانوا أنصاراً ثم تتابع إيمان قبائل العرب.

وفرع عليه قوله: {فهم غافلون} أي فتسبب على عدم إنذار آبائهم أنهم متصفون بالغفلة وصفاً ثابتاً، أي فهم غافلون عما تأتي به الرسل والشرائع فهم في جهالة وغواية إذ تراكمت الضلالات فيهم عاماً فعاماً وجيلاً فجيلاً.

فهذه الحالة تشمل جميع من دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم سواء من آمن بعدُ ومن لم يؤمن.

والغفلة: صريحها الذهول عن شيء وعدم تذكره، وهي هنا كناية عن الإِهمال والإِعراض عما يحق التنبيه إليه.

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

... وقوله: {فَهُمْ غَافِلُونَ} الغفلة أن يوجد شيء كان بخاطرك، ثم لم يتعلَّق قلبك به حتى يدخل في مرتبة النسيان، فلا تذكره إلا حين يأتي مَنْ ينبهك إليه، ويُذكِّرك به، والنسيان ليس وظيفة القلب، إنما وظيفة العقل والذاكرة، فلو أن القلب مُتعلِّق بالشيء، فكلما طرأتْ عليه غفلة تعلَّق القلبُ بها يسدها، فتظل في الذاكرة لا تغفل عنها.