روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهۡلِكُواْ بِٱلطَّاغِيَةِ} (5)

{ فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُواْ } أي أهلكهم الله تعالى وقرأ زيد بن علي فهلكوا بالبناء للفاعل { بالطاغية } أي الواقعة المجاوزة للحد وهي الصيحة لقوله تعالى في هود { وأخذ الذين ظلموا الصيحة } [ هود : 67 ] وبها فسرت الصاعقة في حم السجدة أو الرجفة لقوله سبحانه في الأعراف : { فَأَخَذَتْهُمُ الرجفة } [ الأعراف : 78 ] وفي الزلزلة المسببة عن الصيحة فلا تعارض بين الآيات لأن الإسناد في بعض إلى السبب القريب وفي بعض آخر إلى البعيد والأول مروى عن قتادة قال أي بالصيحة التي خرجت عن حد كل صيحة وقال ابن عباس وأبو عبيدة وابن زيد ما معناه الطاغية مصدر فكأنه قيل بطغيانهم وأيد بقوله تعالى { كذبت ثمود بطغواها } [ الشمس : 11 ] والمعول عليه الأول لمكان قوله تعالى : { وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُواْ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ } وإيضاح ذلك أن الآية فيها جمع وتفريق فلو قيل أهلك هؤلاء بالطغيان على أن ذلك سبب جالب وهؤلاء بالريح على أنه سبب آلي لم يكن طباق إذا جاز أن يكون هؤلاء أيضاً هلكوا بسبب الطغيان وهذا معنى قول الزمخشري في تضعيف الثاني لعدم الطباق بينها وبين بريح لا أن ذلك لأن أحدهما عين والآخر حدث وما ذكر من التأييد لا يخفي حاله وكذا يرجح الأول على قول مجاهد وابن زيد أيضاً أي بسبب الفعلة الطاغية التي فعلوها وهي عقر الناقة وعلى ما قيل الطاغية عاقر الناقة والهاء فيها للمبالغة كما في رجل راوية وأهلكوا كلهم بسببه لرضاهم بفعله وما قيل أيضاً بسبب الفئة الطاغية ووجه الرجحان يعلم مما ذكر ومر الكلام في الصرصر فتذكر وهو صفة ريح وكذا قوله تعالى : { عَاتِيَةٍ } أي شديدة العصف أو عتت على عاد فما قدروا على ردها والخلاص منها بحيلة من استتار ببناء أو لياذ بجبل أو اختفاء في حفرة فإنها كانت تنزعهم من مكامنهم وتهلكهم والعتو عليهما استعارة وأصله تجاوز الحد وهو قد يكون بالنسبة إلى الغير وقد لا يكون ومنه يعلم الفرق بين الوجهين وأخرج ابن جرير عن علي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه أنه قال لم تنزل قطرة إلا بمكيال على يدي ملك إلا يوم نوح فإنه أذن للماء دون الخزان فطغى الماء على الخزان فخرج فذلك قوله تعالى { إنا لما طغى الماء } [ الحاقة : 11 ] ولم ينزل شيء من الريح إلا بمكيال على يدي ملك إلا يوم عاد فإنه أذن لها دون الخزان فخرجت فذلك قوله تعالى بريح صرصر عاتية عتت على الخزان وفي «صحيحي البخاري » ومسلم وغيرهما ما يوافقه فهو تفسير ما ثُور وقد حكى ذلك في «الكشاف » ثم قال ولعلها عبارة عن الشدة والإفراط فيها وخرج ذلك في «الكشف » على الاستعارة التمثيلية ثم قال إن المثل إذا صار بحيث يفهم منه المقصود من دون نظر إلى أصل القصة جاز أن يقال أنه كناية عنه كما فيما نحن فيه وجوز أن يكون هناك تشبيه بليغ من العتو وهو الخروج عن الطاعة .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهۡلِكُواْ بِٱلطَّاغِيَةِ} (5)

{ فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ } وهي الصيحة العظيم ة الفظيعة ، التي انصدعت منها قلوبهم وزهقت لها أرواحهم فأصبحوا موتى لا يرى إلا مساكنهم وجثثهم .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهۡلِكُواْ بِٱلطَّاغِيَةِ} (5)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

ثم أخبر الله تعالى عن عاد وثمود، فقال: {فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية} يقول: عذبوا بطغيانهم، والطغيان حملهم على تكذيب صالح النبي صلى الله عليه وسلم...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

"فأمّا ثَمُودُ" قوم صالح، فأهلكهم الله بالطاغية. واختلف في معنى الطاغية التي أهلك الله بها ثمود أهل التأويل؛

فقال بعضهم: هي طغيانهم وكفرهم بالله...

وقال آخرون: بل معنى ذلك: فأهلكوا بالصيحة التي قد جاوزت مقادير الصياح وطغت عليها...

وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: معنى ذلك: فأُهلكوا بالصيحة الطاغية. وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب، لأن الله إنما أخبر عن ثمود بالمعنى الذي أهلكها به، كما أخبر عن عاد بالذي أهلكها به، فقال:"وأمّا عادٌ فأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ" ولو كان الخبر عن ثمود بالسبب الذي أهلكها من أجله، كان الخبر أيضا عن عاد كذلك، إذ كان ذلك في سياق واحد، وفي إتباعه ذلك بخبره عن عاد بأن هلاكها كان بالريح الدليل الواضح على أن إخباره عن ثمود إنما هو ما بينت...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

ثم بين ما نزل بعاد وثمود بالتكذيب بالقارعة، وهو قوله {فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية} [{وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية}] فالطاغية والعاتية والرابية [الآية: 10] يمكن أن تجعل هذا كله صفة للعذاب الذي نزل بهم. وجائز أن يكون صفة للأحوال التي سبقت منهم، وكانوا عليها.

فإن كان هذا صفة العذاب، فالطغيان عبارة عن الشدة، والطاغي، هو العاتي الشديد، لا يراقب، ولا يتقي، فوصف العذاب الذي أرسله عليهم أنه لم يبق منهم أحدا، بل استأصلهم، وأهلكهم بجملتهم.

وقيل: ذلك العذاب، هو {الصاعقة} وقيل: {الصيحة} وسمي طاغية، ولم يقل: طاغ لهذا.

وقيل: اشتق هذا الاسم للعذاب من أفعال من عذب به، ليس أنه طاغية، لكن أخذ اسمه من فعل القوم كقوله تعالى: {وجزاء سيئة سيئة مثلها} [الشورى: 40] وقوله تعالى: {فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} [البقرة: 194] وإنما ذكر كله جزاء سيئاتهم.

ففيه تخويف لأهل مكة أنه سيهلكهم إن لم يهتدوا عن التكذيب كما أهلك أولئك.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما جمعهم في التكذيب، فصلهم في التعذيب لأجل ذلك التكذيب فقال: {فأما ثمود} وهم قوم صالح عليه السلام. ولما كان الهائل لهم لتقيدهم بالمحسوسات إنما هو العذاب، لا كونه من معين، بنى للمجهول قوله: {فأهلكوا} أي بأيسر أمر من أوامرنا {بالطاغية} أي الصيحة التي جاوزت الحد في الشدة فرجفت منها الأرض والقلوب...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

وكان أخذهم بالصيحة كما سماها في غير موضع. أما هنا فهو يذكر وصف الصيحة دون لفظها.. (بالطاغية).. لأن هذا الوصف يفيض بالهول المناسب لجو السورة. ولأن إيقاع اللفظ يتفق مع إيقاع الفاصلة في هذا المقطع منها. ويكتفي بهذه الآية الواحدة تطوي ثمود طيا، وتغمرهم غمرا، وتعصف بهم عصفا، وتطغى عليهم فلا تبقي لهم ظلا!

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

ابتدئ بذكر ثمود لأن العذاب الذي أصابهم من قبيل القرع، إذ أصابتهم الصواعق المسماة في بعض الآيات بالصيحة. والطاغية: الصاعقة في قول ابن عباس وقتادة: نَزلت عليهم صاعقة أو صواعق فأهلكتهم، لأن منازل ثمود كانت في طريق أهل مكة إلى الشام في رحلتهم فهم يرونها، قال تعالى: {فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا} [النمل: 52]، ولأن الكلام على مهلك عاد أنسب فأخر لذلك أيضاً.

وإنما سميت الصاعقةُ أو الصيحة {بالطاغية} لأنها كانت متجاوزة الحال المتعارف في الشدة فشبه فعلها بفعل الطاغي المتجاوز الحد في العدوان والبطش.