اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهۡلِكُواْ بِٱلطَّاغِيَةِ} (5)

قوله : { فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُواْ بالطاغية } . هذه قراءةُ العامةِ .

وقرأ زيدُ{[57716]} بن عليٍّ : «فَهَلكُوا » مبنياً للفاعل .

وقوله : «بالطاغية » فيه إضمار أي : بالفعلة الطَّاغية .

وقال قتادةُ : بالصَّيحةِ الطاغية المتجاوزةِ{[57717]} للحدِّ ، أي : لحد الصيحاتِ من الهولِ ، كما قال : { إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُواْ كَهَشِيمِ المحتظر } [ القمر : 31 ] .

و «الطغيانُ » : مجاوزة الحدِّ ، ومنه { إِنَّا لَمَّا طَغَا الماء حَمَلْنَاكُمْ }[ الحاقة : 11 ] ، أي : جاوز الحدَّ .

وقال ابن زيدٍ : بالرجل الطَّاغية ، وهو عاقرُ الناقةِ{[57718]} ، و «الهاء » فيه للمبالغة على هذه الأوجه صفة .

والمعنى : أهلكوا بما أقدم عليه طاغيهم من عقر الناقة وكان واحداً ، وإنما هلك الجميعُ ؛ لأنهم رضوا بفعله ، ومالئوه .

وقيل له : طاغية كما يقال : فلان راويةٌ وداهيةٌ وعلامةٌ ونسابةٌ .

ويحتمل أن يقال : بسبب الفِرقةِ الطاغيةِ ، وهم : التسعة رهطٍ ، الذين كانوا يفسدون في الأرض ، ولا يصلحون ، وأحدهم عاقرُ الناقة .

وقال الكلبيُّ : «بالطَّاغيةِ » : بالصَّاعقةِ{[57719]} .

وقال مجاهدٌ : بالذُّنوبِ{[57720]} .

وقال الحسنُ : بالطُّغيانِ{[57721]} فهي مصدرٌ ك «العاقبة » و «الكاذبة » ، أي : أهلكُوا بطغيانهم وكفرهم ، وبوضحه : { كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا }[ الشمس : 11 ] .

قال ابن الخطيب{[57722]} : وهذا منقولٌ عن ابن عبَّاسٍ ، قال : وقد طعنوا فيه بوجهين :

الأول : قال الزجاجُ : إنه لما ذكر في الجملة الثانية نوع الشيءِ الذي وقع به العذابُ ، وهو قوله تعالى : { بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ } وجب أن يكون الحال في الجملة الأولى كذلك حتى تحصل المناسبةُ .

والثاني : قال القاضي : لو كان المرادُ ما قالوه لكان من حق الكلام أن يقال : أهْلِكُوا لها ولأجلِها .

ف «الباء » للسببية على الأقوال إلاَّ على قولِ قتادة ، فإنها فيه للاستعانة ك «عملتُ بالقدوم » .


[57716]:ينظر: البحر المحيط 8/135، والدر المصون 6/361.
[57717]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/207.
[57718]:ينظر المصدر السابق.
[57719]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (18/168).
[57720]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/168) وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/405) وزاد نسبته إلى ابن المنذر وعبد بن حميد.
[57721]:ذكره الماوردي في "تفسيره" (6/76) والقرطبي (18/168).
[57722]:ينظر الفخر الرازي 30/91.