تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهۡلِكُواْ بِٱلطَّاغِيَةِ} (5)

الآيتان 5و6 : ثم بين ما نزل بعاد وثمود بالتكذيب بالقارعة ، وهو قوله { فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية } [ { وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية } ]{[21876]} فالطاغية والعاتية والرابية[ الآية : 10 ] يمكن أن تجعل هذا كله صفة للعذاب الذي نزل بهم .

وجائز أن يكون صفة للأحوال التي سبقت منهم ، وكانوا عليها . فإن كان هذا صفة العذاب فالطغيان عبارة عن الشدة ، والطاغي ، هو العاتي الشديد ، لا يراقب ، ولا يتقي ، فوصف العذاب الذي أرسله عليهم أنه لم يبق منهم أحدا ، بل استأصلهم ، وأهلكهم بجملتهم .

وقيل : ذلك العذاب ، هو { الصاعقة }{[21877]} وقيل : { الصيحة }{[21878]} وسمي طاغية ، ولم يقل : طاغ لهذا . وقيل : اشتق هذا الاسم للعذاب من أفعال من عذب به ، ليس أنه طاغية ، لكن أخذ اسمه من فعل القوم كقوله تعالى : { وجزاؤا سيئة سيئة مثلها } [ الشورى : 40 ] وقوله{[21879]} تعالى : { فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } [ البقرة : 194 ] وإنما ذكر كله جزاء سيئاتهم .

وقيل : { بالطاغية } أي بطغيانهم وذنوبهم التي سلفت منهم كقوله تعالى : { كذبت ثمود بطغواها }[ الشمس : 11 ] .

ويحتمل : أن يكون هذا صفة لأحوالهم التي كانوا عليها من شدة التمرد والعتو ، ومن طغيانهم التكذيب بالحاقة والقارعة ، ففيه تخويف لأهل مكة أنه سيهلكهم إن لم يهتدوا عن التكذيب كما أهلك أولئك .

وقوله تعالى : { وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية } قال الحسن : الريح الصرصر هي الصّيّتة ، وهي التي لها صوت . وقال بعضهم : هي الريح الباردة الشديدة البرد كقوله : { ريح فيها صرّ أصابت } الآية [ آل عمران : 117 ] والصرّ البرد{[21880]} ، والصرصر المكرر منه ، فوصفها لدوامها وتكررها .

وقوله تعالى : { عاتية } فتأويلها على ما ذكرنا في الطاغية . وذكر الكلبي وغيره أنها سميت عاتية لأنها عتت على الخزّان فلم يطيقوها . وهذا لا يستقيم لأنه لا يجوز أن يوكل الخزان على حفظها ، ثم لا يتمكنون من الحفظ حتى تعتو عليهم إلا أن يقال : إنهم لم {[21881]} يوكلوا بحفظها في ذلك الوقت . فأما إذا أوكلوا بحفظها ، ثم لا يجعل لهم إلى حفظها سبيل ، فهذا مستحيل ، والله الموفق .


[21876]:ساقطة من الأصل و م
[21877]:[البقرة:55و..].
[21878]:هود:67و..
[21879]:في الأصل و م:وقال.
[21880]:في الأصل وم:البارد.
[21881]:في الأصل و م:لو.