مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهۡلِكُواْ بِٱلطَّاغِيَةِ} (5)

قوله تعالى : { فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية } .

اعلم أن في الطاغية أقوالا : ( الأول ) أن الطاغية هي الواقعة المجاوزة للحد في الشدة والقوة ، قال تعالى : { إنا لما طغى الماء } أي جاوز الحد ، وقال : { ما زاغ البصر وما طغى } فعلى هذا القول : الطاغية نعت محذوف ، واختلفوا في ذلك المحذوف ، فقال بعضهم : إنها الصيحة المجاوزة في القوة والشدة للصيحات ، قال تعالى : { إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة فكانوا كهشيم المحتظر } وقال بعضهم : إنها الرجفة ، وقال آخرون : إنها الصاعقة ( والقول الثاني ) أن الطاغية هاهنا الطغيان ، فهي مصدر كالكاذبة والباقية والعاقبة والعافية ، أي أهلكوا بطغيانهم على الله إذ كذبوا رسله وكفروا به ، وهو منقول عن ابن عباس ، والمتأخرون طعنوا فيه من وجهين ( الأول ) وهو الذي قاله الزجاج : أنه لما ذكر في الجملة الثانية نوع الشيء الذي وقع به العذاب ، وهو قوله تعالى : { بريح صرصر } وجب أن يكون الحال في الجملة الأولى كذلك حتى تكون المناسبة حاصلة ( والثاني ) وهو الذي قاله القاضي : وهو أنه لو كان المراد ما قالوه ، لكان من حق الكلام أن يقال : أهلكوا لها ولأجلها ( والقول الثالث ) { بالطاغية } أي بالفرقة التي طغت من جملة ثمود ، فتآمروا بعقر الناقة فعقروها ، أي أهلكوا بشؤم فرقتهم الطاغية ، ويجوز أن يكون المراد بالطاغية ذلك الرجل الواحد الذي أقدم على عقر الناقة وأهلك الجميع ، لأنهم رضوا بفعله وقيل له طاغية ، كما يقول : فلان راوية الشعر ، وداهية وعلامة ونسابة .