{ فَبَشّرْ عِبَادِ الذين يَسْتَمِعُونَ القول فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ } مدح لهم بأنهم نقاد في الدين يميزون بين الحسن والأحسن والفاضل والأفضل فإذا اعترضهم أمران واجب وندب اختاروا الواجب وكذلك المباح والندب .
وقيل يستمعون أوامر الله تعالى فيتبعون أحسنها نحو القصاص والعفو والانتصار والإغضاء والإبداء والإخفاء لقوله تعالى : { وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ للتقوى } [ البقرة : 237 ] . { وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الفقراء فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ } [ البقرة : 271 ] والفرق بين الوجهين أن هذا أخص لأنه مخصوص بأوامر فيها تخيير بين راجح وأرجح كالعفو والقصاص مثلاً كأنه قيل يتبعون أحسن القولين الواردين في معين وفي الأول يتبعون الأحسن من القولين مطلقاً كالإيجاب بالنسبة إلى الندب مثلاً .
وعن الزجاج يستمعون القرآن وغيره فيتبعون القرآن . وقيل يستمعون القول ممن كان فيتبعون أولاه بالقبول وأرشده إلى الحق ويلزم من وصفهم بذلك أنهم يميزون القبيح من الحسن ويجتنبون القبيح ، وأريد بهؤلاء العباد الذين اجتنبوا وأنابوا لا غيرهم لئلا ينفك النظم فإن قوله تعالى : { فَبَشّرْ } مرتب على قوله سبحانه : { لَهُمُ البشرى } ووضع الظاهر موضع الضمير ليشرفهم تعالى بالإضافة إليه ولتكرير بيان الاستحقاق وليدل على أنهم نفادون حرصاً على إثار الطاعة ومزيد القرب عند الله تعالى وفيه تحقيق للإنابة وتتميم حسن ، وقيل الوقف على { عِبَادِي } فيكون الذين مبتدأ خبره جملة قوله تعالى :
{ أولئك الذين هداهم الله } أي لدينه ، والكلام استئناف بإعادة صفة من استؤنف عنه الحديث ؛ وما تقدم أرجح لما سلف من الفوائد من إقامة الظاهر مقام المضمر والتتميم فإن ذلك دون الوصف لا يتم ، ولأن محرك السؤال المجاب بالجملة بعد قوله تعالى : { يَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ } أقوى وذلك الأصل في حسن الاستئناف { وَأُوْلَئِكَ هُمُ أُوْلُواْ الالباب } أي هم أصحاب العقول السليمة عن معارضة الوهم ومنازعة الهوى المستحقون للهداية لا غيرهم ، وفي الآية دلالة على حط قدر التقليد المحض ولذا قيل
: شمر وكن في أمور الدين مجتهدا *** ولا تكن مثل عير قيد فانقاد
واستدل بها على أن الهداية تحصل بفعل الله تعالى وقبول النفس لها كما ذهب إليه الأشاعرة
ولما أخبر أن لهم البشرى ، أمره اللّه ببشارتهم ، وذكر الوصف الذي استحقوا به البشارة فقال : { فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ }
وهذا جنس يشمل كل قول فهم يستمعون جنس القول ليميزوا بين ما ينبغي إيثاره مما ينبغي اجتنابه ، فلهذا من حزمهم وعقلهم أنهم يتبعون أحسنه ، وأحسنه على الإطلاق كلام اللّه وكلام رسوله ، كما قال في هذه السورة : { اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا } الآية .
وفي هذه الآية نكتة ، وهي : أنه لما أخبر عن هؤلاء الممدوحين أنهم يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، كأنه قيل : هل من طريق إلى معرفة أحسنه حتى نتصف بصفات أولي الألباب ، وحتى نعرف أن من أثره علمنا أنه من أولي الألباب ؟
قيل : نعم ، أحسنه ما نص اللّه عليه { اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا } الآية .
{ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ } لأحسن الأخلاق والأعمال { وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ } أي : العقول الزاكية .
ومن لبهم وحزمهم ، أنهم عرفوا الحسن من غيره ، وآثروا ما ينبغي إيثاره ، على ما سواه ، وهذا علامة العقل ، بل لا علامة للعقل سوى ذلك ، فإن الذي لا يميز بين الأقوال ، حسنها ، وقبيحها ، ليس من أهل العقول الصحيحة ، أو الذى يميز ، لكن غلبت شهوته عقله ، فبقي عقله تابعا لشهوته فلم يؤثر الأحسن ، كان ناقص العقل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.