اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{ٱلَّذِينَ يَسۡتَمِعُونَ ٱلۡقَوۡلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحۡسَنَهُۥٓۚ أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَىٰهُمُ ٱللَّهُۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمۡ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (18)

فكل هذه الأبواب داخلة تحت قوله : { الذين يَسْتَمِعُونَ القول فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ } ، فهذا في أبواب الاعتقادات وأما أبواب التكاليف فهي قسمان : عبادات ومعاملات ، أما العبادات فكقولنا : الصلاةُ التي يذكر في تحريمها : الله أكبرُ وهي بِنيّة ويقرأ فيها بالفاتحة ويؤتى فيها بالطمأنينة في المواقف الخمسة ويُتَشَهَّد فيها ويخرج منها بالسلام فلا شَكّ أنها أحسن من تلك التي لا يُراعى فيها شيء من هذه الأحوال ، فوجب على العاقل أن يختار هذه الصلاة دون غيرها ، وكذا القول في جميع أبواب العبادات .

وأما المعاملات فكما تقدم في القَصَاص والعفو عنه ، وروي عن ابن عباس : أن المراد منه أن الرجل يجلس مع القوم فيسمع الحديث فيه محاسنُ ومساوئُ فيحدِّث بأحسنِ ما سمع وَيتركُ ما سواه .

قوله : { الذين يَسْتَمِعُونَ } الظاهر أنه نعت «لعبادي » ، أو بدل منه ، أو بيان له ، وقيل : يجوز أن يكون مبتدأً ، وقوله : { أولئك الذين } إلى آخره خبره ، وعلى هذا فالوقف على قوله : «عِبَادِي » والابتداء بما بعده .

قوله : { أولئك الذين هَدَاهُمُ الله وأولئك هُمْ أُوْلُو الألباب } قال ابن زيد : نزلت : «والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها . . . » الآيتان في ثلاثة نفر كانوا في الجاهلية يقولون : لا إله إلا الله زيدُ بنُ عمرو وأبو ذر الغِفَاري وسلْمان الفارسيّ ، والأحسن قول لا إله إلا الله . وفي هذه الآية لطيفة وهي أن حصولَ الهداية في العقل والروح حادث فلا بدّ له من فاعل وقائل أما الفاعل فهو الله تعالى وهو المراد من قوله { أولئك الذين هَدَاهُمُ الله } ، وأما القائل فإليه الإشارة بقوله : { وأولئك هُمْ أُوْلُو الألباب } فإن الإنسان ما لم يكن عاقلاً كامل الفهم امتنع حصول هذه المعارف والحقيقة في قلبه .