روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{قَالَ تَزۡرَعُونَ سَبۡعَ سِنِينَ دَأَبٗا فَمَا حَصَدتُّمۡ فَذَرُوهُ فِي سُنۢبُلِهِۦٓ إِلَّا قَلِيلٗا مِّمَّا تَأۡكُلُونَ} (47)

{ قَالََ } مستأنف على قياس ما مر غير مرة { تَزْرَعُونَ سَبْعَ سنينَ دَأَباً } قرأ حفص بفتح الهمزة والجمهور بإسكانها ، وقرئ - داباً - بألف من غير همز على التخفيف ، وهو في كل ذلك مصدر لدأب وأصل معناه التعب ، ويكنى به عن العادة المستمرة لأنها تنشأ من مداومة العمل اللازم له التعب ، و انتصابه على الحال من ضمير { تزرعون } أي دائبين أو ذوي دأب ، وأفرد لأن المصدر الأصل فيه الإفراد أو على أنه مفعول مطلق لفعل محذوف أي تدأبون دأباً . والجملة حالة أيضاً ، وعند المبرد مفعول مطلق - لتزرعون - وذلك عنده نظير قعد القرفصاء وليس بشيء . وقد أول عليه السلام البقرات السمان والسنبلات الخضر بسنين مخاصيب والعجاف واليابسات بسنين مجدبة ، فأخبرهم بأنهم يوظبون على الزراعة سبع سنين ويبالغون فيها إذ بذلك يتحقق الخصب الذي هو مصداق البقرات السمان وتأويلها ، و قيل : المراد الأمر بالزراعة كذلك ، فالجملة خبر لفظاً أمر معنى ، وأخرج على صورة الخبر مبالغة في إيجاب إيجاده حتى كأنه وقع وأخبر عنه .

وأيد بأن قوله تعالى : { فَمَا حَصَدتُّمْ } أي في كل سنة { فَذَرُوهُ في سُنبُله } ولا تذروه كيلا يأكله السوس كما هو شأن غلال مصر ونواحيها إذا مضى عليها نحو عامين ، ولعله استدل على ذلك بالسنبلات الخضر يناسب كونه أمراً مثله ، قيل : لأنه لو لم يؤوّل ذلك بالأمر لزم عطف الإنشاء على الخبر لأن - ما - إما شرطية أو موصولة متضمنة لمعنى الشرط ، وعلى كل حال فلكون الجزاء إنشاء / تكون إنشائية معطوفة على خبرية . وأجيب بأنا لا نسلم أن الجملة الشرطية ا لتي جوابها إنشائي إنشائية ، ولو سلم فلا نسلم العطف بل الجملة مستأنفة لنصحهم وإرشادهم إلى ما ينبغي أن يفعلوه حيث لم يكن معتاداً لهم كما كان الزرعكذلك ، أو هي جواب شرط مقدر أي إن زرعتم فما حصدتم الخ ، وأيضاً يحتمل الأمر عكس ما ذكروه بأن يكون ذروه بمعنى تذروه ، وأبرز في صورة الأمر لأنه بإرشاده فكأنهم أمرهم به . والتحقيق ما في «الكشف » من أن الأظهر أن { تزرعون } على أصله لأنه تأويل المنام بدليل قوله الآتي : { ثم يأتي } [ يوسف : 48 ] وقوله : { فما حصدتم فذروه } اعتراض اهتماماً منه عليه السلام بشأنهم قبل تتميم التأويل ، وفيه ما يؤكد أمر السابق واللاحق كأنه قد كان فهو يأمرهم بما فيه صلاحهم وهذا هو النظم المعجز انتهى . وذكر بعضهم أن - ما حصدتم - الخ على تقدير كون { تزرعون } بمعنى ازرعوا داخل في العبارة فإن أكل السبع العجاف السبع السمان وغلبة السنبلات اليابسات الخضر دال على أنهم يأكلون في السنين المجدبة ما حصل في السنين المخصبة ، وطريق بقائه تعلموه من يوسف عليه السلام فبقي لهم في تلك المدة . وقيل : إن تزرعون على هذا التقدير وكذا ما بعده خارج عن العبارة ، والكل كما ترى .

{ إلاَّ قَليلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ } أي اتركوا ذلك في السنبل إلا ما لا غنى عنه من القليل الذي تأكلونه في تلك السنين ، وفيه إرشاد إلى التقليل في الأكل . وقرأ السلمي ( مما يأكلون ) بالياء على الغيبة أي يأكل الناس ، والاقتصار على استثناء المأكول دون البذر لكون ذلك معلوماً من قوله عليه السلام : { تزرعون سبع سنين }